عن الأوضاع الاقتصادية…

الجدل المسجل اليوم حول الأوضاع الاقتصادية في بلادنا، كان بالإمكان أن يكون مجديا ومنتجا للأفكار والأفكار المضادة، لو ابتعد عن المزايدات، وعن تصفية الحسابات السياسوية، وانتظم في عمق الحوار الاقتصادي الموضوعي، والمستحضر لتحولات وأزمات المحيطين الإقليمي والدولي. فعلا، يتفق الكل على أن قرارات وملفات مهمة وقع تأخر في الانكباب عليها، ومنها مثلا القوانين التنظيمية، إصلاح المقاصة والتقاعد والجبايات ومنظومة الحكامة…، لكن هذا التأخر، الذي لابد من تجاوزه اليوم، لا يمكنه لوحده تفسير كل المؤشرات السلبية التي لحقت بالوضع الاقتصادي العام في البلاد، خاصة أن الشركاء الأساسيين على صعيد دول منطقة (اليورو) يعانون منذ مدة من أزمة مالية واقتصادية لا تخفى على أحد، وهذا لم يكن بلا تأثيرات سلبية على بلادنا، وليس بإمكان من يقدمون أنفسهم وأحزابهم كأبطال بإمكانهم إنقاذ البلاد أن يرفعوا هذا الانعكاس السلبي عن البلاد بعصي سحرية يمتلكونها وحدهم دون غيرهم.
إن الأوضاع الاقتصادية في بلادنا اليوم، ومع استحضار الاكراهات الدولية والإقليمية ذات الصلة، تتطلب حوار العقلاء، وتفرض تعبئة كل الجهود من أجل تفادي بلوغ بلادنا ما بلغته بلدان أخرى مثل قبرص اليوم، أو قبلها اليونان، أي التفكير في التدابير والإجراءات المجسدة للإصلاح، والتي يجب اتخاذها اليوم قبل الغد، لأن أي تأخر في ذلك، إما قد يجعل الكلفة مرتفعة في المستقبل، أو أن تدارك الإصلاح سيكون متأخرا جدا وبلا فائدة.
المطلوب اليوم هو منظومة إصلاحية شمولية تتوخى إعادة الحيوية للاقتصاد الوطني، وتحريك الاستثمار، وإيجاد فرص الشغل، ثم في نفس الوقت معالجة الأوضاع الاجتماعية، وأيضا الحفاظ على التوازنات الضرورية، وعلى سيادة القرار الاقتصادي الوطني.
ولإنجاح هذه المهمة، التي تعتبر اليوم رهانا وطنيا حقيقيا، يجب تقوية الثقة في مستقبل بلادنا، كما يجب أن تتحمل كل الأطراف السياسية والحزبية مسؤوليتها، بما فيها تلك المكونة للأغلبية التي يجب أن تباشر الإصلاح بشكل جماعي، في الرأي والتنفيذ، وأيضا في تحمل المسؤولية والدفاع عن الاختيارات.
إن الظرفية الاقتصادية الصعبة  تفرض اليوم تقوية الحوار الوطني المسؤول، وإعمال التفكير الجماعي المشترك من أجل تفعيل الحلول التي من شأنها تفادي أي مس بالمكتسبات الاجتماعية لشعبنا، والقادرة أيضا على انجاز الإصلاحات الضرورية، وتحريك عجلة الاقتصاد والاستثمار.
وليس بالخطب والتصريحات التي لا ترى في الأوضاع الاقتصادية سوى مسؤولية الحكومة الحالية، وتغمض العين والعقل معا عن ما يشهده المحيط الإقليمي والدولي من أزمات، يمكن  الوصول إلى الحلول، كما أن لجوء أطراف حزبية معروفة إلى إغفال الحقائق التي أفرزها الحراك السياسي والمؤسساتي المغربي، وأفضى إلى تشكيل الحكومة الحالية، وحقق للبلاد كثير ايجابيات ومكاسب، من شأنه أيضا أن يعيد كل العجلات إلى الخلف، ويضع البلاد أمام منغلقات أخرى هي ليست في حاجة إليها.
لتتوقف المزايدات إذن، وليذهب الحوار إلى القضايا الجوهرية، والى عمق الأشياء.
[email protected]

Top