حول المهاجرين غير الشرعيين

يقدم المغرب تقريره، بموجب الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، أمام لجنة الأمم المتحدة بجنيف، وهي مناسبة أعادت لطاولة النقاش موضوع المهاجرين في بلادنا، وصدرت مواقف وبلاغات عن منظمات حقوقية وجمعيات تعمل في المجال، كما صدر التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث استعرض الوقائع وقدم توصيات في غاية الأهمية.
لقد انضم المغرب للاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد عائلتهم والمصادق عليها في العام 1991، والتي دخلت حيز التطبيق في العام 2003، وكان هذا الانضمام يستوجب منه أن يقدم أول تقرير منذ العام 2004، يشمل جميع التفاصيل سواء المتعلقة بالإجراءات والتدابير التشريعية والتنظيمية المتخذة من طرفه، أو فيما يتعلق بحالة ووضعية المهاجرين لديه، وذلك أمام لجنة من الخبراء التابعين لمنظمة الأمم المتحدة، والمكلفين بمراقبة وتتبع تنفيذ واحترام البلدان لبنود الاتفاقية.
من المؤكد أن الترافع المغربي في جنيف اليوم سيهتم بأوضاع المهاجرين المغاربة، خصوصا في أوروبا، لكن اللافت هذه السنة هو تنامي الاهتمام عبر العالم بأوضاع المهاجرين، وخصوصا غير الشرعيين، وغالبيتهم، بالنسبة للمغرب اليوم، ينحدرون من دول الساحل جنوب الصحراء، وسيكون موضوعهم حاضرا بقوة في مناقشات جنيف، وفي مذكرات وتقارير المنظمات المدنية والجمعيات الحقوقية التي ستقيم وتسائل التجربة المغربية على هذا الصعيد.
إن المغاربة، عمقا وثقافة وتاريخا، ليسوا عنصريين، وعرفوا دائما بانفتاحهم على الآخر، وباحتضان مختلف الثقافات والحضارات والجنسيات والتفاعل معها، كما أن المملكة تتميز بارتباط عريق مع القارة الإفريقية وشعوبها، ومن ثم، لابد اليوم من إعادة إبراز هذه الخصوصية الحضارية والتاريخية، وتقوية حضورها في المجتمع والإعلام والفضاء العمومي.
لكن المشكلة ليست بهذا التجريد الثقافي، وإنما هي ذات امتدادات والتزامات عملية تفرض اليوم نفسها في مجالات التشريع والسياسة والتدبير العمومي لعلاقة الدولة بهؤلاء المهاجرين، وخصوصا غير الشرعيين منهم.
ليس في إمكان البلاد طبعا أن تستوعب كل الوافدين عليها أو العابرين لأراضيها نحو وجهات أخرى، أو أن تكون دركيا لأوروبا ضد هؤلاء الفارين من الفقر والحروب، ولكن في الوقت ذاته، يجب على البلاد أن تطور منجزها الخاص انسجاما مع التزاماتها الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، والعلاقة مع المهاجرين واللاجئين، وأيضا تطبيقا لأحكام الدستور الجديد للمملكة.
بالإمكان مثلا النظر في التسوية القانونية لإقامة بعض فئات المهاجرين غير الشرعيين، كما يمكن تطوير منظومتنا الإدارية المتعلقة بمنح اللجوء وطبعا في الحالتين معا تفعيل ما يترتب عنهما من حقوق وخدمات في الشغل والتنقل والتعليم والصحة.
لابد أيضا من النظر في أوضاع أطفال يولدون فوق الأراضي المغربية من أبوين في حالة إقامة غير شرعية، وترتيب استفادتهم من الحق في العلاج والتعليم، كما يحق لكل هؤلاء المهاجرين التمتع بالأمان والسلامة في بلادنا، وعدم استهدافهم بحملات أمنية عشوائية تخلو من كل اعتبار للحقوق والسلامة البدنية.
وصلة بالموضوع، لابد كذلك من تمكين مهنيي المصالح الأمنية والصحفيين من مدونات سلوك وتدريبات لتفادي تشجيع التعاطي العنصري مع هذه الفئات، والحرص على الكرامة والحقوق الإنسانية كما هو متعارف عليها كونيا.
لقد تغيرت كثير أشياء في عالم اليوم، وصار المغرب يحضر في الكثير من المنتديات الدولية، كما أنه يرتبط باتفاقيات دولية وإقليمية ترتب عليه التزامات وواجبات، ولهذا لابد أن يطور اليوم سياساته العمومية وفق هذه الظروف الجديدة، كما أن مصالحه الوطنية والإستراتيجية تفرض عليه أيضا استحضار انتمائه لإفريقيا، ورصيده التاريخي والجغرافي والثقافي والديني تجاه شعوبها، وذلك من أجل دراسة هذه الإشكالات المطروحة.

[email protected]

Top