إصلاح العدالة: مشروع مجتمعي

ليس ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي تم الإعلان عنه منذ أيام، مجرد برنامج إصلاحي حكومي عادٍ، وهو أيضا ليس فقط خارطة طريق لإنجاز الإصلاحات ذات الصلة بالقضاء وبباقي مكونات العدالة في بلادنا، وإنما هو مشروع مجتمعي حقيقي يروم، وفق ما صرح به وزير العدل والحريات نفسه «… تأهيل عدالتنا والنهوض بها، وتعزيز استقلال قضائنا ودعم نزاهته والرفع من فعاليته، حتى يستجيب لتطلعات المتقاضين من بساطة في الإجراءات وسهولة في الولوج وشفافية في سير الدعاوى وسرعة في البت وجودة في الأحكام وحزم في التنفيذ».
وهذا يعني أن التحدي هو أكبر من لحظة الإعلان عن الميثاق، بل إنه يمتد إلى ما بعد ذلك، أي إلى التنفيذ والمواكبة في الميدان، وتقوية المراقبة، وذلك بما يجعل المواطنات والمواطنين يحسون بأن تغييرا يقع على الأرض.
وبالنسبة للميثاق نفسه، فقد يبرز تحفظ من هذا الطرف أو ذاك، وقد يرد انتقاد لهذا الفصل أو ذاك، ولهذا الهدف الإصلاحي أو سواه، وقد تختلف التقييمات بحسب التموقع المهني والقطاعي والأهداف والمصالح، ولكن في المجمل لابد من القبض على المكتسب المرتبط بكون بلادنا تضع لنفسها اليوم خارطة طريق لإصلاح منظومة القضاء، ومن ثم تكثيف النقاش الوطني في المراحل اللاحقة، وخاصة على صعيد البرلمان بما يقوي جودة النص وأفقه الإصلاحي والتحديثي، ثم العمل على صياغة متقدمة للنصوص المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتلك التي تهم الأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية للقضاة ومهنيي العدالة.
إن هدفا استراتيجيا رئيسيا تضمنه الميثاق مثل توطيد استقلال السلطة القضائية، يعتبر حجر الزاوية في المنظومة الإصلاحية برمتها، وذلك لكونه يؤسس لضمان مقومات استقلال القضاء بما يكفل حسن سير العدالة، ولهذا، فإن النص القانوني المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الذي سيبرز مستوى النجاح في رسم معالم هذه الاستقلالية وصيانتها.
وفي الإطار نفسه، فإن النجاح أيضا في مهمات التخليق ومحاربة الفساد الموجود داخل المحاكم يتطلب اليقظة الدائمة والمواكبة الميدانية لمسلسل تطبيق مضامين الميثاق على الأرض، وهنا لابد من التذكير بأن المنظومة القضائية في بلادنا تتوفر على قضاة وموظفين نزهاء من دون شك، ولكن الرشوة والفساد موجودان أيضا، وأحيانا تكون الأمور على شكل لوبيات منظمة لها تقنياتها وأساليبها وحكاياتها التي يرويها المتضررون منها في مختلف مجالس الحديث.
ولكسب هذا الرهان، لابد أن ينخرط الجميع في ذلك، وخصوصا القضاة أنفسهم والمحامون، وبلا مزايدات أو احتماء بالتضامن المهني والقطاعي الفج.
المطلوب اليوم إذن، هو تمتين الحوار حول تفاصيل الميثاق، وأن ينخرط البرلمان بقوة وجدية في ذلك، ثم الحرص على صياغة متقدمة للنصوص التنظيمية ذات الصلة، وبعد ذلك الانتقال إلى التطبيق على الأرض ومن خلال الآليات الناجعة والعملية، ومواكبة كل ذلك باليقظة والمراقبة اللازمتين.
لا يتسبب فساد منظومة العدالة فقط في ضياع الحقوق، وإضعاف مقومات دولة القانون والمساواة، وإنما يؤدي ذلك إلى تشويه صورة البلاد ونفور المستثمرين والسياح منها، ولهذا فالإصلاح بالنسبة لهذا القطاع الحساس يعتبر اليوم مهمة وطنية كبرى، ومن شأن إصلاح العدل وتخليقه وتحديثه وعصرنته أن يؤدي إلى انتعاش قطاعات أخرى، وبالتالي أن يخلق دينامية تنموية في البلاد، ويقوي الثقة في مستقبلها.

Top