في الحاجة إلى صوت المثقفين

بالرغم من كامل الدينامية السياسية والمؤسساتية التي تحياها بلادنا طيلة السنوات القليلة الأخيرة، وبغض النظر عن اختلاف تقييم محطاتها ومنتجاتها في الميدان، فإن الملاحظ هو وجود شح كبير في متابعة المثقفين والمفكرين والأكاديميين لمجرياتها وسياقاتها بالنظر النقدي والتحليلي بعيدا عن الحسابات السياسية والمصالح الحزبية، مشروعة كانت أو غير مشروعة.
السياسة عندنا، سواء كمواقف أو كوقائع وسياقات، غير مشدودة بمواكبة أكاديمية رصينة، ولا تحظى بمتابعة وفعل المثقفين والمفكرين، وهذا يترك الساحة مشرعة لأحادية النظر والفعل من لدن السياسيين والزعامات الحزبية، وهم جمييعهم مرتبطون بتاكتيكات وأهداف تنظيماتهم وطبيعة تموقعاتها.
قد يكون هذا الفقر نتيجة منطقية لمستويات الأمية والمقروئية وسط شعبنا، ما يجعل بنية التلقي بكاملها غير مؤهلة لإنتاج هذه الدينامية الثقافية والفكرية المبتغاة، وقد يكون الوضع الاعتباري للمثقف والمفكر سببا في ذلك أيضا، لكن، مع ذلك، وجب التأكيد على أن ما يشهده العالم من حولنا من تحولات، وما تحياه بلادنا أيضا يفرضان اليوم بروز صوت المفكر والأكاديمي والمثقف في ساحة النقاش وتداول الأفكار وإنتاج القيم والرمزيات.
إن خطورة الضعف المسجل في حضور مفكرينا ومثقفينا ضمن الدينامية السياسية العامة في البلاد، تتجلى في كون الكلمة تبقى محصورة في الغالب لدى أشباه منظرين ومحللين عجت بهم صفحات جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية، وأفرزتهم بعض البرامج التلفزيونية، ولا أحد يعرف لهؤلاء مسارا أو تاريخا أو إنتاجا فكريا يستحقون بموجبه اعتبارهم منظرين ومحللين، كما هو متعارف على ذلك كونيا، وصار الكثيرون منا عندما ينصتون لكثير من هؤلاء، وهم يتحدثون في كل شيء تقريبا، يخافون على مستقبل الجامعة المغربية، وعلى مستوى تدريس السياسة والعلوم الإنسانية بداخلها.
وعلاوة على ما سبق، فإن سيطرة هؤلاء على الكلام، وابتعاد أصحاب الرأي الحقيقيين يجعل شعبنا في مواجهة مباشرة مع الشعبويين ومروجي الديماغوجيات من بين سياسيينا، وتنزل السياسة حينها إلى الدرك الأسفل من… التفاهة واللانبل.
نتفرج على سياسيين يغيرون الموقف بين ساعة وأخرى، ويشتمون هذا ويلعنون ذاك، ونتحدث في المجالس عن سياسيين متورطين حتى الأعناق في ممارسات فاسدة، ومع ذلك يصرون على «السنطيحة» أمام أضواء الإعلام، ثم نسأل عن مثقفين ومفكرين بلا حسابات أو مصالح يستطيعون أن يقولوا أو يكتبوا الحقيقة كما هي، ويتركوها للتاريخ دليل مصداقية وشجاعة و… نبل.
من المؤكد أن تردي الممارسة السياسية يمتد تأثيره أيضا إلى المجال الثقافي والفكري، وإلى مجال القيم المتداولة داخل المجتمع، ويمكن أن يدفع ذلك حتى إلى إبعاد المثقفين والمفكرين عن الاهتمام بمجريات حياتنا السياسية والحديث فيها، ولكن المثقفين والمفكرين والنخب مطالبون جميعهم بالتشبث بالحضور والفعل، ومقاومة التردي والتراجع، وأيضا مواجهة الفساد والمفسدين.
شعبنا اليوم في حاجة كذلك إلى مثقفيه ليكونوا حاضرين وفاعلين في الحوار العمومي، وفي صيانة قيم النبل والمصداقية والجدية في الحياة السياسية وفي غيرها من مجالات الشأن العام.
[email protected]

Top