ملاحظة صريحة

بقدر ما  تعتبر المعضلة الاجتماعية في بلادنا ذات أولوية، وبقدر ما تعتبر الحاجة ملحة اليوم لتفعيل مقاربة إصلاحية مستعجلة وشمولية تعطي الأولوية لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين وتمكنهم من الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية في ظروف مواتية، وإعمال مبدأ التضامن الوطني والاجتماعي الذي يجعل مختلف فئات الشعب، وخاصة الميسورة منها، تتقاسم الأعباء والاكراهات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية والمالية، فانه في نفس الوقت، لابد أن نسجل بروز أشكال احتجاجية  في الشارع، تستدعي اليوم من القوى المناضلة حقا كثير تأمل ورصانة وحزم.
إن(محاصرة )رئيس الحكومة في الشارع من طرف مجموعات الخريجين العاطلين في الرباط يعتبر سلوكا غير مقبول، وقد انتقده الكثيرون في الأيام الأخيرة، وان(شخصنة)المشاكل وتحميلها لهذا الوزير أو ذاك ليس سياسة، كما أن الإقدام على نشر أرقام هواتف هذا المسؤول أو ذاك يطرح كثير أسئلة حول أشكال الاحتجاجات ومضامينها، ثم إن مداهمة مقرات الأحزاب و(احتلالها)أيضا ليس سياسة…
أما بعض ما يقال ضمن الشعارات وتعابير الاحتجاج فهو فعلا يستوجب التفات القوى السياسية والنقابية والحقوقية بكثير من الشجاعة والصراحة، والتفاف الكل والمبادرة الجماعية لتحصين حراكاتنا الاجتماعية والشبابية من(انفلاتات)قد تمس المنطلقات المبدئية ذاتها.
الوقوف عند هذه الظواهر ليس فيه أي مبالغة أو تحامل،  وليس سيرا معاكسا للتيار، وإنما هو دعوة للقوى المدنية الرصينة والهيئات المناضلة الحقيقية كي تلتفت إلى(الفضاء العام)، والى ضرورة تنظيم الاحتجاجات والحراكات الجارية ضمنه من طرف الجميع.
هنا نحن في حاجة فعلا إلى تمثل المحددات الحقوقية كما هو متعارف عليها كونيا بشأن المواقف والشعارات والمطالب، وهنا نحن أيضا في حاجة إلى استحضار ضرورة صيانة مكاسب شعبنا في الديمقراطية والاستقرار والأمن والتعددية وأسس دولة لمؤسسات.
بلادنا اليوم، من دون شك، يجب أن تنخرط باستعجال في إعمال تدابير وإجراءات شعبية جريئة تمكن من التجاوب مع الانتظارات المشروعة لفئات واسعة من المجتمع، وخاصة فيما يتصل بالإصلاح الشمولي لنظام المقاصة في ارتباط مع إقرار عدالة جبائية حقيقية، وإصلاح نظام التقاعد، وتفعيل إجراءات ملموسة تحافظ على القدرة الشرائية لأوسع الفئات الاجتماعية، وتصون التوازنات الماكرو اقتصادية التي تقوي ثقة الفاعلين الاقتصاديين والشركاء الدوليين في الاقتصاد الوطني، وتجعل المواطنات والمواطنين يحسون بالتغيير في حياتهم اليومية على مستوى التشغيل والسكن والصحة والتعليم والعدالة والإدارة وغير ذلك.
إنها مهمة المرحلة اليوم بامتياز، وهي المدخل لتمتين الجبهة الداخلية وتقوية الاستقرار الاجتماعي والسياسي العام في بلادنا، ولكن في نفس الوقت، نحن في حاجة ماسة أيضا لتنمية منظومة الفعل السياسي والاجتماعي والمدني في بلادنا، وجعل الحراكات الاحتجاجية والدينامية المجتمعية وسط شعبنا تقوي سيرنا الديمقراطي ولا تهدده، وتنمي نبل السياسة ولا تزيد في انحطاطها وتفاهتها، وهذه مسؤولية الجميع، وهي فعلا مسؤولية دقيقة ، لكنها ضرورية، وضرورية جدا.
[email protected]

Top