الجزائر الخائفة من… الثقافة

باتت السلطات الجزائرية تنتهز كل المناسبات لتبرز تصعيدها تجاه المغرب، وآخر التخريجات بهذا الخصوص جسدتها تصريحات وزير خارجيتها

الذي لوح بأن بلاده تعتقد أن حادث إنزال العلم من مبنى القنصلية في الدار البيضاء ليس «حالة معزولة»، وإنما قد يكون «مفتعلا من طرف السلطات المغربية»، مضيفا أن السلطات المغربية «كانت تعرف ماذا تفعل جيدا»…
المملكة تأسفت لحادث إنزال العلم الجزائري، ووصفت ما حصل بكونه حادثا معزولا، وفتحت تحقيقا، وفي كل الدنيا لا يمكن القيام بأكثر من ذلك، لكن السلطات الجزائرية لا تريد أن ترى كل هذا، ولم تتردد في المطالبة بالمشاركة في التحقيق، وكل هذا ليس له تفسير غير الرغبة في التصعيد، والركوب على أي شيء من أجل ذلك.
من جهة ثانية، شكل المعرض الدولي للكتاب في الجزائر واجهة أخرى لإبراز التصعيد الجزائري، وإظهار تعامل غير لائق بالنسبة لتظاهرة ثقافية يفترض أنها حاضنة لقيم النبل والسمو بلا أي حسابات سياسوية أو مرضية لا مكان لها في عالم الثقافة والإبداع.
لقد جرى احتجاز شحنة الكتب المغربية في الميناء، ولم يفرج عنها إلا بعد انطلاق المعرض، ورغم ذلك تعامل الناشرون المغاربة بكثير من المرونة والأريحية مع ما حصل، اعتبارا لكون ناشرين من بلدان عربية أخرى اعترضهم الواقع ذاته، كما أن إقبال الجزائريين على الكتب المغربية أنسى العارضين مشقة الميناء وبيروقراطية المنظمين، لكن تقوية الرقابة على الأعمال المعروضة جعل الكثيرين يدركون قصدية السلوك، وإمعان السلطات في التضييق و… التصعيد، حتى أن مثقفين جزائريين أنفسهم لم يخفوا استياءهم مما حدث، ولم يتردد أحدهم في القول بأن «معرض الجزائر تحسن في الرقابة وتراجع في الفعاليات».
وحيث أن الرعونة والبلادة صارتا ملازمتين لسلوك السلطات الجزائرية تجاه المغرب، فقد تعرض «معجم الغنى الزاهر» لمؤلفه الأستاذ عبد الغني أبو العزم للمنع والحجز من داخل المعرض، وتهمته أنه يتضمن بين صفحاته الخارطة الكاملة للمملكة المغربية بما فيها طبعا أقاليمها الصحراوية، وكان هذا السلوك التعسفي دليلا على أن السلطات في الجار الشرقي ممعنة في الوقوف ضد مغربية الصحراء ولو بين صفحات الكتب العلمية والأكاديمية.
التصرف لم يكن فقط عدائيا تجاه المغرب ووحدته الترابية، وإنما هو ضد حقوق الإنسان، وضد حق الشعوب في المعرفة، وفي تداول المعلومة، وهو أيضا تضييق على حرية الكتاب والمبدعين.
والغريب أن سلطات الجزائر كانت قد حجزت في نفس الوقت من دار نشر أردنية كتبا تروج للأفكار الصهيونية، لكنها أعادتها للعارضين بعد وقت قصير، في حين لم تقبل التراجع عن حجز ومنع كتاب أبو العزم، وهو الشخصية الثقافية المغربية المعروفة في الجزائر، ولديه علاقات واسعة وسط المثقفين واللغويين والباحثين الجزائريين منذ سنوات، وهذا يبين حجم العداء الذي كشفت عنه السلطات الجزائرية للمغرب ووحدته الترابية وثقافته.
لم تكتف السلطات الجزائرية بهذا الاستغلال البشع للواجهة الثقافية كي تنفث سموم عدائها للمملكة، وإنما قامت أيضا بدفع «فنانين»، وبعضهم من الدرجة العاشرة، لشن حملات شتم في حق المغرب والمغاربة عبر وسائل الإعلام ومواقع الأنترنيت، كما أن فرقة مسرحية هي «فرقة النوارس للمسرح والفنون الدرامية الجزائرية» لم تستطع الحضور إلى بني ملال للمشاركة في مهرجانها المسرحي، واكتفت بالاعتذار للمنظمين دون بيان الأسباب.
إن ما تقترفه الجزائر لا يسبب للمغرب أي مشكلة مباشرة، وإنما خطورته تكمن في كونه يحرم الشعب الجزائري من الاطلاع على الإبداعات الثقافية والفكرية والفنية المغربية التي يحبها ويقبل عليها ويتفاعل معها، ويغلق كذلك أبواب وجهة فنية مدرة لمداخيل على فنانين جزائريين، عدد منهم اختار الاستقرار نهائيا في المملكة.
النظام الجزائري هذه المرة يستهدف حق الشعوب في تبادل المعارف والإبداعات، ويمعن في التضييق على المثقفين والفنانين والأكاديميين، ويريد أن يستهدف التواصل الثقافي والوجداني بين الشعبين الشقيقين الجارين المغربي والجزائري، ولهذا فإدانة هذا السلوك الاستبدادي المتخلف تعتبر مسؤولية كل المثقفين وجميع منظمات حقوق الإنسان وكافة الديمقراطيين والمدافعين عن الحرية.
[email protected]

 

Top