حين القيام بزيارة للمكتبات العمومية، سواء تلك التابعة لوزارة الشباب أو لوزارة الثقافة، عادة ما يلفت انتباه الزائر قلة الإقبال على ارتيادها، وعند عقد مقارنة بينها وبين المقاهي مثلا، لا بد من التساؤل:
ما هو الشيء الموجود في فضاء المقهى الذي يجلب الزبناء بكثرة والذي تفتقر إليه المكتبة؟
التلفزة؟
لا؛ فالعديد من المكتبات صار يتم تجهيزها بهذا النوع من الأجهزة.
المشروبات؟
لا؛ فالقيمون على المكتبات لا يحظرون تناول المشروبات داخل فضاءاتها.
هناك بالتأكيد أشياء كثيرة داخل المكتبات تغري بارتيادها: الكتب طبعا، غياب التلوث والضجيج.. إلى غير ذلك مما يجعلها تتفوق على المقاهي.
لكن بالرغم من هذه المغريات؛ فإن عدد زبناء المقهى يفوق بكثير عدد مرتادي المكتبات.
إذن، ما الذي يجعل الناس تنفر من الذهاب إلى المكتبات التي تضعها وزارتا الشباب والثقافة تحت تصرفهم؟
واجب الانخراط؟
لا أظن، إن ثمنه زهيد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يغطي سنة بكاملها، بهذا الثمن الزهيد يمكن الاطلاع على كتابين كل عشرة أيام على الأقل، وإذا قمنا بعملية حسابية بسيطة، سنجد أن المنخرط في هذه المكتبات، بمقدوره الاطلاع على ما لا يقل عن ستين كتابا بشكل سنوي، من اختياره وذوقه.
لو أن القارئ يستطيع الاطلاع على نصف هذا العدد من الكتب فقط، لأمكن الحديث عن طفرة كبيرة في مستوى القراءة، مقارنة مع ما هو حاصل اليوم.
كنت دائما أركز على القيمة الجليلة التي يكتسيها تخصيص فضاءات للأطفال داخل مختلف المكتبات، أخذا بعين الاعتبار أن حث هذه الفئة العمرية على ارتياد المكتبات منذ حداثة سنها، سيربي لديها حب قراءة الكتاب، وبالتالي لن يكون هناك خوف على مستقبل القراءة، ولن يجد عشاق الحديث عن الأزمات مجالا للوك الكلام حول أزمة القراءة.
إنه تحدي حقيقي بالنسبة لمدراء المكتبات، سيكون عليهم بذل مجهود لإقناع الأطفال بأن ارتياد المكتبات شيء مغر ومسل وبأن هذه الفضاءات لا تمت بصلة إلى الصرامة التي تسود الحصص الدراسية عادة.
بعض الفضاءات الخاصة بالأطفال داخل المكتبات، يتم هندستها بكيفية لا تأخذ بعين الاعتبار ميولات الأطفال.
على فضاءات من هذا القبيل، أن تحتفي بالألوان والرسومات وغير ذلك مما ينجذب إليه الأطفال؛ فمثلما أن كتاب الطفل يختلف عن كتاب الراشدين، على الفضاء الذي يحتوي كتب الأطفال هو الآخر أن يحترم مجموعة من الخصوصيات المرتبطة بالطفولة.
بعض القيمين على هذه الفضاءات عادة ما يعاملون مرتاديها الصغار بنوع من الغلظة، يأمرونهم بالسكوت وربما عدم الحركة كذلك، في حين أن ذلك يتنافى مع طبعهم.
من الضروري ترك الأطفال على سجيتهم داخل فضاء المكتبات في الحدود المعقولة بطبيعة الحال، وإلا ما الفائدة من تخصيص فضاء خاص بالأطفال، معزول عن الكبار؟ كان يمكن إشراك الجميع داخل فضاء واحد ومعاملتهم بشكل متساو، ولا يهم أن يعثر الطفل على كتاب خاص به، أو لا يعثر عليه.
غير أن هناك ما يزعج في المكتبات، هو عدم تطعيمها بالإصدارت الجديدة، أو أن المواكبة لما جد في عالم الإصدارات يتم بشكل متأخر وبكثير من التباطؤ، من الضروري أن تكون رفوف المكتبات متحركة على الدوام،
وأن يتم العناية بتنظيم لقاءات ثقافية، من قبيل توقيع إصدارات أو مناقشة إشكالية فكرية ما، داخل فضاءاتها، حتى يحس المتلقي بأنه قريب من الكتاب ويحصل الاستئناس بينهما، ولا بأس من تجهيز هذه الفضاءات بلوحات لفنانين تشكيليين، وأغراس نباتية؛ فهناك مكتبات ليس بها سوى المقاعد والكتب والجدران، وهذا لا يحفز على ارتيادها.
مما يزعج كذلك في بعض المكتبات، هو حين استعارة كتاب معين منها، وعند متابعة قراءته يجد القارئ ورقة أو عدة أوراق مفصولة عنه، بشكل لا يسمح بالانتباه إليه لأول وهلة. أوراق مفصولة بواسطة شفرة حلاقة حادة، إلى حد يجعلك تفكر في أن صاحب هذا الفعل لا يمكن أن يكون إلا قارئا مجرما.