الإصلاح المستعجل لأنظمة التقاعد

نشر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا حول إصلاح أنظمة التقاعد في المغرب، دعا ضمن توصياته إلى التعجيل بذلك، وفق السياق الوطني والتجارب الدولية في هذا المجال. وقد أكد المجلس الأعلى للحسابات على أن أنظمة التقاعد في بلادنا تعاني من اختلالات هيكلية ومن عدم ضمان ديمومتها، ونبه إلى أهمية تقوية هذه الديمومة وتخفيض ديون الأكثر هشاشة منها، وذلك في أفق إصلاح هيكلي شامل.
بداية يعتبر هذا التقرير مهما ويستحق التنويه، كما أنه يجسد انخراط مؤسسة رسمية مثل المجلس الأعلى للحسابات في تبني القناعات ذاتها التي سبق أن عبرت عنها أطراف أخرى كثيرة.
لكن في نفس الوقت، يجدر التأكيد كذلك على أن مضامين التقرير وتوصياته لم تحمل جديدا يختلف جذريا عما سبق أن تضمنته الكثير من الدراسات والمواقف والاجتهادات، سواء من خلال عمل اللجنة التقنية أو من خلال ما صدر عن نقابات وأحزاب وجمعيات وخبراء، ما يجعل المهمة المطلوبة اليوم هي التقدم خطوة أخرى إلى الأمام، أي مباشرة أجرأة الإصلاح بدل إضافة تقارير وتوصيات أخرى بخصوصه.
إن إصلاح أنظمة التقاعد بات يستدعي الاستعجال، ذلك أن أوضاع الصناديق تتفاقم بين عام وآخر، وأعداد المتقاعدين أيضا، فضلا عن كون قاعدة المشاركين لا تعرف تغييرا جوهريا، وبالتالي فكل يوم تأخير يزيد من تفاقم الخطر، وقد يحول الإصلاح فيما بعد إلى مهمة مستحيلة أو بلا فائدة.
لم يعد ممكنا اليوم لأي طرف إنكار الأزمة الخطيرة التي تحيط بصناديق وأنظمة التقاعد في المغرب، فهي واقع قائم ولابد من معالجته بما يحمي فئات واسعة من شعبنا، وهذا يتطلب تفعيل حوار اجتماعي حقيقي وصريح حول الإشكالية، والتقدم نحو صياغة حلول ومخارج يتم الاتفاق عليها بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، واعتبار ذلك مهمة وطنية يجب أن ينجحها الكل بلا أي تماطل أو مزايدات.
وفي السياق نفسه، فإن الإصلاح لا يجب أن يكون على حساب الشغيلة وحدها، وإنما لابد أن يتحمل الجميع التضحية نفسها، ولا بد أن تكون هذه التضحية في مستويات وآجال معقولة، ومن دون أن تهدد مكاسب الشغيلة والفئات الشعبية والمتوسطة من شعبنا.
أي أن المطلوب اليوم هو صياغة وطنية توافقية لجواب «تقدمي» على أزمة أنظمة التقاعد في بلادنا، واستحضار ضرورة حماية النشيطين حاليا والمتقاعدين غدا، وأيضا تأمين استمرار الحماية الاجتماعية كشرط أولي لكل سلم اجتماعي.
من دون شك سيكون طريق هذا الإصلاح طويلا ومركبا، ولكن لابد من البداية، لأن كل تأخير من شأنه أن يزيد من صعوبة مباشرة الإصلاح، ثم أن المطلوب أيضا إعمال تواصل جدي وصريح مع شعبنا حول هذا الورش، وإقناعه بجدية الهدف والأسلوب لكي ينخرط الكل في مسلسل التضحية وأيضا في إنجاح الإصلاح.
[email protected]

Top