انطفاء عصر ملحم كرم

انطفأ عصر كامل من تاريخ الصحافة في لبنان مع رحيل الرجل الذي غلبت صفة «النقيب» على اسمه: ملحم كرم. فعلى امتداد إحدى وستين سنة حافلة بالأحداث الجسام والتطورات التي غيرت الخرائط.


كان ملحم كرم حاضراً بإجماع رفعه فوق المنافسة، فصار أقرب إلى «الخلود» في الموقع الذي احتله بقوة حضوره الشخصي والمعنوي بوصفه حامي حمى الحرية وحقوق المنتسبين إلى مهنة الصحافة، خصوصاً أنه كان يتبنى شعار «انصر أخاك، المحرر، ظالماً أو مظلوماً».
بل إنه قد تغلب على التناقض البديهي بين كونه يرأس مجموعة من المطبوعات، بلغات عدة، وبين موقعه كنقيب للمحررين، وبينهم من يعمل في مؤسساته ذاتها… لا هو شعر بأي قدر من التناقض، ولا المحررون انتبهوا إلى المفارقة بين صفتيه المتباعدتين إلى حد التصادم.
أول الحاضرين في المناسبات جميعاً، وطنية أو مهنية، اجتماعية أو نقابية. أفصح الخطباء بالذاكرة التي تختزن القرآن الكريم ونهج البلاغة والإنجيل وديوان المتنبي ومختارات من الأخطل الصغير وأمين نخلة، ووالده الأديب منشئ دار ألف ليلة وليلة، وبعض شعراء الفرنسية إن لزم الأمر، وبعض البارزين من صناع السياسة في العالم. وأنشط العاملين المساهمين في بعث الروح في اتحاد الصحافيين العرب من موقعه كنائب للرئيس الدائم لهذا الاتحاد الذي فقد الكثير من زخمه مع رحيل أمينه العام الزميل الكبير صلاح الدين حافظ.
لكنه الموت الذي يأتينا ولو كنا في بروج مشيدة.
رحم الله النقيب الذي توهمنا لردح من الزمن أنه باق معنا، يتلقى شكاوانا أناء الليل وأطراف النهار ويندفع لمعالجتها بهمة من لا يشيخ، حتى وهو يعاني من أوجاع أمراضه الكثيرة التي ذهبت بصحته وإن لم تهن روحه، فظل «حارس حرية الصحافة والصحافيين» حتى النفس الأخير.
العزاء لأهل الصحافة عموماً، ولآله سليلة الأدب والقانون والصحافة جميعاً.

 

Top