بعد رفع الستار: إضاءة تملأ غياب الديكور وسيادة اللغة العنيفة

حرير آدم: عرض نسائي بامتياز

على خشبة مسرح المنصور، قدمت فرقة المسرح الحر الأردنية عرضها المسرحي “حرير آدم”، وهو من إخراج إياد الشطناوي وتشخيص أربع نساء، إنه عرض نسائي بامتياز، تم فيه تناول مشاكل المرأة العربية الشائعة، من قبيل الانعكاسات النفسية التي يخلفها تعرضها للاغتصاب والاحتقار والظلم والدونية والاضطهاد والتسلط الذكوري، التي تمارسها عليها مجتمعاتها المتخلفة بصفة عامة ، وكان من الطبيعي أن تطغى على هذا العرض صرخات هؤلاء النسوة وتوجعاتهن، بأسلوب لا يخلو من شاعرية مع ذلك، لقد راعت مؤلفة هذه المسرحية اروى أبو طير، الجانب اللغوي، مما ساهم في الرقي بالعرض، سيما وأن القضايا التي يطرحها والتي أشرنا إليها سالفا، تم استهلاكها كثيرا سواء مسرحيا أو عن طريق الدراما التلفزيونية.
اعتمد المخرج بشكل قوي على تقنية الإضاءة، خصوصا وأن فضاء الخشبة كان خاليا من الديكور، الإضاءة بالفعل كانت لغة محكية في العرض، لعله في الجانب المظلم من الخشبة حيث يقبع الرجل، الغائب كجسد لكن الحاضر كسلطة، تدينها المرأة وتحاول المرأة التحرر منها، بشتى الوسائل، حتى بواسطة الرقص، وليس بالصراخ وحده.
المتلقي العادي لهذا العرض، ربما قد يجد صعوبة في استيعابه وتتبع مشاهده بارتياح، بالنظر إلى أن المخرج لم يعتمد الشكل المسرحي التقليدي المعهود المرتكز على ترابط المشاهد مع بعضها البعض، والانتقال من البداية إلى الوسط ثم النهاية، العرض لم يراع هذا التسلسل البسيط، بقدر ما كان الهاجس يصب في تفتيت المشاهد، ومحاولة إيصال مجموعة مكثفة من الأفكار التي تدين الوضع المتردي للمرأة في مجتمعاتنا.

من منهم هو: تجميل فظائع القتل

هناك تقارب كبير بين هذا العرض المسرحي الكويتي، والعرض المشار إليه سالفا، ويتجلى هذا التقارب، على عدة مستويات، اللغة العنيفة المشتركة، بالنظر إلى استحضار الجانب المظلم في شخصية الإنسان، كما أن فضاء هذا العرض كذلك كان خاليا بدوره من الديكور، وهنا يطرح سؤال حول دواعي إغفال هذا العنصر، هل يحتمها العرض، أم تعود بصفة أساسية إلى الميولات الفنية للمخرج؟ فمن الملاحظ أنه حين يختفي الديكور، يكون هناك مجهود مضاعف من قبل المخرج، لإيصال مضامين عرضه للجمهور، الذي ليس بالضرورة كله قادر على فك رموز العرض، وهو ما يسمح للمخرج وكل المشاركين في العمل المسرحي، بتفجير طاقاتهم الإبداعية، لقد شاهدنا في هذا العرض الذي احتضنته خشبة مسرح النهضة، والذي ألفه أحمد العوضي،  وتولى إخراجه خالد أمين، كيف أن الإضاءة كان لها حضور قوي، شاهدناها كيف أنها جسدت لون الدماء، حضورها كذلك لم يكن فقط من أجل ملء الفراغ الذي خلفه غياب الديكور، ولكن للتعبير كذلك عن مكنونات الإنسان، سيما وأن الأمر يتعلق بصراع داخلي ناجم عن ارتكاب جرائم القتل والسعي نحو تجميل الأحداث التي تعقب هذه الجرائم، وواضح أن مؤلف هذه المسرحية، يحاول إسقاط ذلك على ما تشهده أوطاننا الممزقة من أحداث دموية، هناك ثلاث شخصيات في هذا العرض من عصور وأجناس مختلفة، ترتكب جرائم قتل، ويبلغ الصراع الدرامي ذروته، حين تتم محاولة ربط تلك الجرائم  بشخصية واحدة هي شخصية الهو.
مرة أخرى، تطرح إشكالية التلقي، على اعتبار أن مخرج هذا العرض، لم يعتمد العرض المبسط للأحداث، وربطها مع بعضها البعض، بل شاهدنا كيف أن كل شخصية من شخوص العرض، كانت تلقي خطاباتها في كثير من المشاهد دون أن تتفاعل مع بعضها البعض، وكان يسود هذه الخطابات صراخ كثيف يحول أحيانا دون تمييز تعابيرها، ولعل هذا نتيجة طبيعية، على اعتبار أن شخوص المسرحية كانت بصدد الاتفاق على ارتكاب جريمة قتل، وبالتالي فإن لغة المسرحية كان طبيعيا جدا أن تكون عنيفة.

بين بين: كسر رتابة الزمن المسرحي

على خشبة مسرح محمد الخامس، قدمت فرقة نحن نلعب الفنون المغربية، مسرحيتها “بين بين”ّ التي كانت قد فازت بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح، وهي من تأليف طارق الربح، وإخراج محمود الشاهدي، ويدور محورها الأساسي حول قضايا المهاجرين المغاربة بأروبا، المشكل الذي يطرحه اختلاف الديانات، الزواج المختلط، وقد تم تناول هذه القضايا عبر مجموعة من المشاهد غير المرتبطة بالضرورة مع بعضها البعض، ولعل هذه التقنية اختارها المخرج عمدا، لبلوغ درجة معينة من الجمالية، وبالتالي خلق فرجة مسرحية، ليس هذا فحسب، بل دفع المتفرج كذلك إلى طرح العديد من الأسئلة بعد انتهاء العرض. هذا التعدد العشوائي المقصود في مشاهد العرض، ساهم كذلك في كسر رتابة الزمن المسرحي. لم يعتمد المؤلف في هذا العرض على نص مسرحي جاهز، بل تم الاعتماد على ثلاثة أشكال في الكتابة: رسالة شاب مهاجر إلى أمه، وتدوينة على شبكة التواصل الاجتماعي، ومجموعة من الأشعار، بالإضافة إلى مشهد تمت حبكته وكتب خصيصا لأجل هذا العرض، ثم تم الاشتغال عليها وخلق تناسق بينها، توحدها تيمة أساسية، هي تيمة الهجرة إلى أروبا، وما تطرحه من قضايا إشكالية مرتبطة باختلاف الجنس والديانة.

Top