بنعبد الله: الساعون لإخضاع الحقل السياسي لم يضعوا السلاح بعد

نبيلة منيب: المناورات التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية محاولة انقلاب على المكتسبات

قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، “إن التخبط ونوع من المناورات التي تحيط بالمشاورات الجارية لتشكيل الحكومة حاليا يبرهن بشكل قوي على أن الديمقراطية ليست هدية، وأنه ينبغي حمايتها من أولئك الذين يحاولون نسفها”.
 وأبرز نبيل بنعبد الله الذي حل رفقة نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، ضيفا على ندوة نظمها طلبة المدرسة العليا للتسيير” HEM”، مساء يوم الخميس الماضي بالرباط” إن السياسة أمر في غاية الجدية، وتنبني على مبادئ، وعلى الدفاع عن مشروع مجتمعي، وقد أدى من أجلها العديد من المناضلين ثمنا باهظا”.
وأضاف نبيل بنعبد الله، في رد تفاعلي منه مع ما تضمنه شريط تم عرضه في بداية اللقاء يظهر بشكل هزلي مقاطع من تصريحات قادة سياسيين حاليين”، أن” مناضلات ومناضلين دفعوا حياتهم ثمنا لها، بل ووضعت حياة عائلات بأكملها على المحك وفي مستنقع الصعوبات والآلام، نتيجة سجن أحد من أفرادها أو تعرضه للاختطاف أو الاختفاء القسري”.
وقال بنعبد الله، في هذه الندوة التي حملت عنوان” الكثير من الخيارات تقتل الاختيار” ردا على إشارة تهم محور تضخم عدد الأحزاب السياسية بالمغرب، إن ” المناورات الجارية لمنع رئيس الحكومة المعين من استكمال المشاورات لتشكيل الحكومة، تظهر مرة أخرى أن أولئك الذين يسعون إلى إخضاع الحقل السياسي، لم يضعوا السلاح بعد، هذا بالرغم من أنهم لم يفوزوا بالمركز الأول في انتخابات 7 أكتوبر الماضي”.
وربط الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية هذه المناورات، التي باتت ممكنة، بغياب القواعد والقوانين التي تحدد بشكل واضح ما الذي يجب القيام به في مثل هذا الوضع، كما ربطها ببعض الأحزاب السياسية التي قال بشأنها “إنها تأسست بقرار إداري من الدولة وليست وليدة إرادة شعبية، وذلك في فترات مختلفة، بغرض تأثيث المشهد السياسي وخلط الأوراق والتشويش إذا لزم الأمر ذلك، وهي تتيح بسهولة إمكانية التحكم فيها عن بعد ، ولا تتمتع بأي استقلالية في القرار، وهذه الهيئات هي بالفعل التي تماطل حاليا منفذة  لعبة الأوصياء عليها”.
ونبه بنعبد الله إلى المأزق السياسي راهنا واصفا إياه بالخطير، مشيرا إلى أنه بعيدا عن مسألة إن كان عبد الإله بنكيران مكلفا بتكوين الحكومة أو غيره، فإن نفس الأساليب قد تستعمل في مواجهة قوى أخرى، وأن إبداء حزب التقدم والاشتراكية لموقفه، يأتي في إطار تشبثه بالدفاع عن المنهجية الديمقراطية، وعن مؤسسة رئيس الحكومة كما خطها دستور 2011.
وشدد، في هذا الصدد، على التوضيح بأن هذا هم المنطلق الذي يظهر “أهمية وجود أحزاب سياسية مستقلة، لها القدرة على المساهمة في بناء ديمقراطية حقيقية ودولة الحق والقانون، ومن هنا يجب مواصلة المسار من أجل الاستمرار في الإصلاح”، مؤكدا، في ذات الوقت بالنسبة للناخبين، أن عليهم أن يكونوا واعيين بحجم الرهانات المطروحة والتي تجعل أن عليهم من جانبهم المشاركة المكثفة في كل الاستحقاقات الانتخابية.
وأوضح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الدفاع عن الديمقراطية وحماية بنيانها يعود في المقام الأول للمواطنات والمواطنين، وفي حالة المغرب يغيب هذا الأمر بالنظر للنسبة المسجلة في عدد الذين امتنعوا عن التصويت، إذ بلغت النسبة نحو 60 في المائة، استفاد منها بشكل كبير الحزب المؤسس حديثا، في محاولة للتربع على المشهد السياسي الذي يتقاسمه 36 حزبا، بينها 15 حزبا فقط يتمتع بتمثيلية حقيقية كأهم هيئات سياسية وطنية.
ومن جهتها، اعتبرت نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، ما يحدث حاليا بالنسبة لتأخر تشكيل الحكومة بأنه يعد بمثابة محاولة انقلاب على دستور 2011، الذي ينص في الفصل 47 منه، على اختيار تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي حصل على المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية.
وقالت نبيلة منيب إن المناورات التي تشهدها الساحة السياسية الوطنية “محاولة انقلاب على المكتسبات المتقدمة -رغم قلتها -والتي حملها دستور 2011، حيث يتم الدفع في اتجاه الوصول بالمشاورات إلى الباب المسدود ومن تم العودة إلى السيناريو المعمول به قبل 2011″، مشيرة إلى أن هذه الأزمة السياسية تبرهن على أن البلاد لازالت في حاجة إلى إقرار دولة القانون، وأيضا في الحاجة لإعادة تأهيل الحقل السياسي، وتمكين النخب التي تتمتع بالنزاهة من لعب دورها كاملا.
وأجمع القياديان على دق ناقوس الخطر على ما يعتمل في الساحة السياسية بما سيؤدي إلى تراجع المسلسل الديمقراطي في البلاد، ودعيا إلى اتخاذ حزمة إجراءات لتجاز الأعطاب السياسية والاجتماعية، بضرورة تأهيل الحقل السياسي عبر اعتماد ميثاق أخلاقي وإتاحة الفرصة للنخب النزيهة بلعب دورها، واعتماد مزيد من الشفافية على جميع المستويات لمنح الحياة السياسية المصداقية التي يعبر الشباب والفئات التي تمتنع عن التصويت عن افتقادها.
وفي إطار تفاعله مع المحور الذي خصص في الندوة لتطور مسار الأحزاب السياسية في المغرب، ذكر بنعبد الله بالمسار الذي قطعه الحزب الشيوعي المغربي والذي يحمل حاليا اسم حزب التقدم والاشتراكية، وذلك  من مرحلة التأسيس التي بدأت نواتها سنة 1937، ليتم الإعلان عن التأسيس الرسمي سنة 1943  لحزب يمثل الحركة الشيوعية بالمغرب، وساهم مناضلوه إلى جانب مناضلي حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال في معركة الاستقلال، مبرزا باقي المراحل التاريخية الأخرى التي مر بها الحزب والتي تخللها المنع، قبل أن يحوز اعتراف السلطات سنة 1974.
وقال الأمين العام “إن حزب التقدم والاشتراكية اختار مواصلة النضال من أجل تحقيق المشروع المجتمعي الديمقراطي الذي بلوره منذ أكثر من 70 عاما، والاستمرار في العمل بالتحالف مع نفس القوى سنة 2011، دفاعا عن المكتسبات الديمقراطية وفي مواجهة التدخلات من أي طرف كان، والتي ترغب في جعل الوضع يسير لصالح قوة سياسية ليس لها من هدف سوى العودة بالبلاد للوراء واجتثاث الإنجازات التي تحققت على درب بناء الديمقراطية”.
وبشأن القطبية السياسية التي تمت محاولة تقديمها مؤخرا على أنها تتمثل في قطبين، أبرز أن تدخل الدولة خلال استحقاقات تشريعية في فترات سابقة، والذي تم بشكل كبير وتزويرها للنتائج، عرقل مسار ظهور قطبية حزبية بالشكل الطبيعي، معتبرا “أن المشهد السياسي لو كانت الدولة قد تركته يتطور بشكل طبيعي، لكان الوضع حاليا يشهد إفراز ثلاثة أقطاب تتوزع بين يسارية وليبرالية ومحافظة”.
وفي ذات الموضوع أشارت نبيلة منيب، إلى بعض أعطاب يعرفها النظام الحالي، “حيث هناك مكونات سياسية تحظى بمعاملة تفضيلية وتستفيد من سخاء حاتمي والمساعدة اللازمة، حتى يحتكر أحد المكونات السياسية الذي أسسته الدولة مؤخرا، المشهد السياسي، ويفوز بالانتخابات، وذلك على حساب الأحزاب الأخرى المهمشة”، و”هذا الأمر يعد السبب وراء مقاطعة أعداد كبيرة من الناخبين لصناديق الاقتراع، والتي تعتبر أن لا جدوى من التصويت” حسب قول الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد.
واعتبرت الأمينة العامة، أن المأزق السياسي وفقدان المواطنات والمواطنين للثقة، خاصة وأنه تم القيام بكل الممارسات التي من شأنها إبعاد الشباب عن السياسة، بما فيها اعتماد التحكم في الخريطة السياسية عبر التقطيع الترابي والانتخابي كل مرة، يصعب من مهمة الأحزاب السياسية الجدية، ومن ضمنها الحزب الاشتراكي الموحد، مبدية امتعاضها ونوعا من عدم الرضا حيال نتائج التشريعيات الأخيرة التي حصل خلالها حزبها على مقعدين فقط”رابطة ذلك بسقف الإصلاحات التي طالبت بها.
وقالت في هذا الصدد “كيف لحزب قام بحملة وطنية كبرى، “في إشارة للاشتراكي الموحد” وكان مثار تجاوب كبير من المواطنين أن يحصل على مثل هاته النتائج”، مضيفة على أنه في بلد ديمقراطي لا يستساغ أن ينتقل حزب حديث النشأة وفي وقت قياسي من الفوز بـ 47 مقعدا إلى أكثر من مائة مقعد خلال هذه التشريعيات “.
وحذرت منيب، إلى أن وضع عدم الثقة يستفيد منه الانتهازيون والوصوليون، داعية الشباب إلى الانخراط في السياسة وعدم الاكتفاء بالتعبير عن الغضب وعدم الرضا بل يجب عند اللزوم النزول إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، مبرزة بشأن التعددية الحزبية في المغرب، أن الإشكال لا يرتبط بعدد الأحزاب التي تصل إلى 36 هيئة حاليا، وإنما الإشكال يرتبط بمسألة مدى تمتعها بالاستقلالية وأيضا بمسألة إن كانت تمتلك مشروعا مجتمعيا واضحا.

>  فنن العفاني
تصوير: رضوان موسى

Top