خصاص

 هناك تهافت شديد في مختلف مدننا على توسيع رقع البنايات السكنية، دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة وجود فضاءات للاستجمام، أو ما يسمى بالمساحات الخضراء، إلى جانب المرافق الأخرى الحيوية، من قبيل المؤسسات التعليمية والتربوية والمستشفيات.. بصفة أساسية.

 كل رقعة فارغة لا يتصورها المسؤولون عن التعمير إلا فضاء للسكن، بكل أنواعه، وبات الإسمنت والإسفلت يزحفان على الأخضر واليابس، وما يرافق ذلك طبعا من نمو ديمغرافي واكتظاظ وضجيج وتلوث وتوتر وأمراض ووو..

 لقد بات من الصعب السيطرة على الوضع؛ بالنظر إلى أنه لم يتم التخطيط بوعي لهذا الفضاء العمراني الذي ما فتى يتوسع، حيث أن العديد من المنعشين العقاريين الجشعين لا يحترمون التزاماتهم؛ فعلى سبيل المثال، يشيرون في التصاميم إلى أنه ستكون هناك حديقة ومسجد ومدرسة ومستشفى ومكتبة ودار للشباب وملعب رياضي.. وما إلى ذلك، غير أنه عند الانتهاء من الأشغال لا يظهر لهذا المخطط أي أثر.

 كيف يعقل أن يتم تشييد أحياء سكنية جديدة، قد تزيد ساكنتها على العشرة آلاف، دون أن يتم التفكير في بناء المرافق الحيوية الضرورية؟ 

كيف يعقل أن لا يكون هناك مخفر واحد للأمن؟

 المدينة تتوسع ويتناسل سكانها وإذن، أين سيتم استقبالهم إذا مرضوا، وأين سيتابع أبناؤهم دراستهم الابتدائية والثانوية على الأقل، علما بأن ما تم تشييده سلفا من هذا النوع من المؤسسات باتت طاقته الاستيعابية لا تحتمل المزيد؟

 علما كذلك بأن غالبية السكان من الطبقة المتوسطة والفقيرة، من قاطني السكن الاقتصادي على وجه الخصوص، لا قدرة لهم على دفع تكاليف القطاع الخاص الجشع، في التطبيب والتدريس وغيرهما.

وقس على ذلك.

  لا شك أن التهافت على حشو مدننا بالبنايات السكنية دون التخطيط لما يتطلبه المجال الترابي من مرافق ضرورية، ودون الأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على الرئة التي تتنفس منها المدينة، سيؤدي إلى وضع كارثي.

  ولقد بتنا نلحظ بعض مظاهر هذا الوضع، من خلال العنف الذي بات سائدا في الشارع وفي السوق وفي وسائل النقل وحتى في الأماكن التي لم نكن نتصور أن ينتقل إليها العنف، أعني بذلك المؤسسات التعليمية، حيث باتت محفظات التلاميذ محشوة بالسيوف والسكاكين والأقراص المهلوسة، وصار مستواهم التعليمي متدنيا إلى درجة فظيعة، وفي العديد من المستشفيات العمومية تقع حوادث مثيرة ومؤسفة، نتيجة عجز قدرتها الاستيعابية. 

  عندما لا يجد المراهقون والشباب فضاءات للتعبير عن طاقاتهم الإبداعية، عندما يكون على المريض أن ينتظر موعدا طبيا يطول لأكثر من سنة من أجل إجراء عملية جراحية مستعجلة، عندما تنعدم المساحة الخضراء والمؤسسة التعليمية والمسجد والمستشفى والنادي الرياضي وغير ذلك من المرافق الضرورية للحفاظ على كرامة الإنسان.. علينا أن نتوقع الكارثة، لا قدر الله. 

عبد العالي بركات     

الوسوم

Related posts

Top