خطاب التحدي

اختار جلالة الملك في خطاب الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء أن يستحضر مميزات الراهن المرتبط بوحدتنا الترابية، وأن يجعل مضمون الخطاب ورسائله تجسد… التحدي. مند البداية، وجه جلالة الملك إشارة قوية تتعلق  بحقوق الإنسان، مشددا على إصرار المملكة على  ترسيخ الحقوق المدنية والسياسية، وعلى النهوض بجيل جديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وعلى رفض كل مزايدة بهذا الخصوص، ورفض كل الشعارات الفارغة، كما تحدث عن منظمات حقوقية دولية تفتقر تقاريرها إلى الموضوعية، وعن دول تكتفي بما يقوله لها موظفوها عن واقع المغرب…
كانت اللغة هذه المرة مختلفة، وكان الوضوح متجليا، وكان في الخطاب إصرار التحدي.
كان التحدي بارزا في التعبير عن إرادة المملكة الاستمرار في تقوية وتعزيز منظومة حقوق الإنسان والديمقراطية في جنوب البلاد كما في شمالها، كما تجلى التحدي نفسه في وقوف خطاب جلالة الملك عند الموقع الجيو استراتيجي للصحراء، وعند مكانتها التاريخية كعمق إفريقي للمغرب عبر التاريخ، وأيضا عند تأكيد جلالة الملك على استمرار تعزيز انفتاح المغرب على محيطه الإفريقي، وتمتين علاقاته الثنائية مع بلدان القارة، والانخراط في مسلسلات الإصلاح والديمقراطية والتنمية لفائدة شعوبها.
التحدي الذي يرفعه المغرب هنا يعتبر ردا على كل المناورات والدسائس التي يقوم بها الجار الشرقي، وهو يقدم جوابا ملكيا واضحا اليوم بأن المغرب سيستمر في الدفاع عن وحدته الترابية، وفي نفس الوقت تعزيز انفتاحه وتعاونه مع محيطه الإفريقي، ولن ترهبه أو تثنيه أي مناورات مهما كان مصدرها، علاوة على أنه سيواصل بلورة وتفعيل سياسة وطنية متكاملة للهجرة واللجوء.
لم يتوقف خطاب الملك فقط عند هذه الجوانب السياسية والحقوقية والدولية المتعلقة بوحدتنا الترابية، وإنما أبرز تحديا آخر لا يقل أهمية، ويتعلق بتنمية الأقاليم الجنوبية، حيث لفت إلى تقوية الاستثمار وتفعيل برامج ومشاريع كبرى في المنطقة، كما شدد على ضرورة النهوض بالأوضاع الاجتماعية للساكنة، والعناية بالنساء والشباب ضمن مقاربة تنموية متكاملة.
الخطاب الملكي كان واضحا، ومن دون أي قابلية للتأويل، وجاء مجسدا لمشاعر المغاربة، وإصرارهم الوطني الجماعي على صيانة وحدتهم الترابية أولا، وتفعيل التنمية في الأقاليم الجنوبية كما في غيرها من مناطق المملكة، بالإضافة إلى التشبث بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وبتعزيز العلاقات مع البلدان الإفريقية.
لقد جاء خطاب الملك مصاغا بالنفس الهجومي الذي كان جلالته قد دعا إليه في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة، وهذه رسالة واضحة، منهجيا وسياسيا، لكل الفاعلين المغاربة من أجل التعبئة أكثر، والسعي لتمتين الجبهة الداخلية الوطنية، والإقدام على مبادرات استباقية وهجومية ضد الخصوم.
المغرب يرفع اليوم، كما فعل باستمرار، التحدي في وجه خصوم وحدته الترابية، ويطالبهم بمبارزته في ميدان حقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك بمقارنة أحواله بأحوالهم، والتزاماته بالتزاماتهم، ومن دون مزايدة.
[email protected]

Top