ذكرى خطاب أجدير

حلت مؤخرا الذكرى الثانية عشرة لخطاب جلالة الملك بأجدير والإعلان عن إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهي محطة مثلت قبل اثني عشر عاما أحد مؤشرات التحول في بلادنا، وعلامة على انخراط المغرب في زمن سياسي وثقافي جديد.
الاحتفال هذه السنة بالذكرى جاء متزامنا مع افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة وتشكيل النسخة الثانية من حكومة  عبدالاله بنكيران، ومع تكثيف النقاش السياسي والتشديد على التطلعات الديمقراطية والتنموية لشعبنا، وضرورة الانكباب على التفاعل معها من لدن الحكومة والبرلمان، ومن ثم يجدر التذكير مرة أخرى بأهمية الاستعجال في إصدار القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وأيضا القانون الخاص بإحداث  المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وذلك وفق ما ينص عليه دستور المملكة.
اليوم، هذا هو المطلب، ومن هنا يمر أيضا التعبير عن قوة الإرادة السياسية الساعية لتمتين مصالحة المغاربة مع ذاتهم وهويتهم، ولتفعيل أحكام الدستور  حتى تتبلور إلى واقع سياسي ومؤسساتي وثقافي  يلمسه الناس.
إن التنصيص الدستوري على رسمية اللغة الأمازيغية وعلى ضرورة إنشاء مجلس للغات والثقافة المغربية جاء نتيجة تفاعل النضالات الديمقراطية السياسية والمدنية طيلة سنوات، واعتبر مكسبا هاما لبلادنا وشعبنا، ولذلك يجدر اليوم الاستمرار في الأفق نفسه، واستحضار ذات الزخم الحزبي والشعبي الذي واكب الحراك المغربي في 2011، واستثمار كل ذلك لصياغة توافق وطني واسع حول السياسة اللغوية والثقافية المطلوبة للنهوض بمغرب اليوم والمستقبل.
بالفعل، لقد راكمت الأمازيغية كثير مكاسب في بلادنا في السنوات الأخيرة، وخصوصا على الصعيد العلمي والتقني والإبداعي والتنظيمي، فضلا عما تراكم على مستوى النقاش العمومي ومن خلال العقلية الجماعية، ولهذا لابد اليوم من تقوية كل هذه المكاسب، سواء في الإعلام أو في التعليم، وأيضا من خلال العمل الرصين والحاسم الذي ينجزه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والارتكاز على ذلك لتأسيس انطلاقات جديدة، في التشريع» القانون المتعلق برسمية الأمازيغية وقانون مجلس اللغات والثقافة المغربية»، وفي الهيكلة المؤسساتية، من خلال تشكيل المجلس المشار إليه وتمكينه من كل أدوات وشروط العمل، ثم من خلال وضعية الأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة «الإدارة، القضاء، الصحة والتنمية البشرية»، وكل هذا سيتيح للبلاد الاستفادة من أعداد كثيرة من ساكنتها، وتحفيزهم على الانخراط في تنمية بلادهم وفي مختلف قضايا الشأن العمومي.
الأمازيغية اليوم ليست فقط اختبارا لإرادتنا السياسية الجماعية، وليست فقط واحدة من المهام التي يفرضها تطبيق مقتضيات الدستور، كما أنها ثالثا ليست فقط عمق الإشكالية اللغوية المطروحة على بلادنا، وإنما هي كل هذا في نفس الوقت، وهي المؤشر والدليل على تميز النموذج الديمقراطي الإصلاحي المغربي، وعلى قدرة بلادنا على تدبير ثراء هويتها الثقافية والحضارية واللغوية وتنوعها ، وذلك ضمن قيم الحرية والتعدد والانفتاح والتسامح والديمقراطية.

Top