في فرنسا، فضيحة و…دروس

تقدم الفضيحة السياسية والمالية التي تهز فرنسا هذه الأيام كثير دروس لمختلف بلدان العالم، ومن المهم لنا نحن هنا في المغرب أن نتأملها أيضا.
بداية، يجب أن نسجل أن ما بات يعرف ب(فضيحة كاهوزاك)كشفتها أول مرة صحيفة الكترونية هي(ميديا بار)للصحفي المعروف ادوي بلينيل، ثم بعد ذلك تحرك القضاء الفرنسي، وبعد طول إنكار من المعني بالأمر، لم يجد بدا من الاعتراف بكونه يمتلك فعلا  حسابا بنكيا منذ 20 عاما، رحله فيما بعد من سويسرا إلى سنغافورة، وبذلك يكون قد أقر بتهريبه للأموال، وبتملصه من أداء ما يستحق عليه من ضرائب، ليعلن عن اشتعال الفضيحة التي تعتبر الأكبر على عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند. واضح إذن الدور الكبير للإعلام، وأيضا المهنية الكبيرة التي أخرج بها موقع بلينيل هذا الخبر/الفضيحة، وتجميعه للدلائل والحجج قبل النشر، ما أرغم القضاء على التحرك، والطبقة السياسية برمتها على التدخل والتعبير عن الصدمة، حتى أن احتجاجات يجري الإعداد لها في الشارع، وأسرار أخرى قد تفضح في القريب جراء تداعيات ورطة وزير الميزانية السابق، وصاحب الإجراءات التقشفية، والمدافع عن النزاهة والأخلاق…
إنه الدرس الأول من فضيحة جيروم كاهوزاك الوزير والعمدة والبرلماني الذي يعيش هذه الأيام سقوطه السياسي والأخلاقي المدوي.
من جهة أخرى، كشفت تداعيات وتفاصيل هذه الفضيحة عن حساسية واضحة لدى الشعب الفرنسي تجاه تسديد المستحقات الضريبية التي طالما اقترنت في أحاديث الناس هناك بشروط المواطنة، وبالمسؤولية تجاه المجتمع، وبالتالي، فإن اعتراف وزير ومسؤول سياسي وطني اليوم بتهربه من أداء الضرائب، خلف استياء وخيبة كبيرين تجاهه وسط الفرنسيين، وكان ذلك كافيا ليتفق مختلف المحللين على سقوطه ونهاية مساره السياسي والانتخابي، وهذا أيضا درس لنا جميعا، وخصوصا للفاعلين السياسيين والاقتصاديين الذين يروق لهم دائما تقليد الفرنسيين في الكثير من الأشياء، وما عليهم اليوم إلا اتباعهم أيضا في هذا الحرص على التضامن الوطني، وعلى أهمية مساهمة أثرياء البلد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لفائدة الطبقات الضعيفة، ولمصلحة الاستقرار المجتمعي العام.
إنه الدرس الثاني، الذي يجدر بنا استحضاره ، والبلاد تستعد لتنظيم مناظرة حول الإصلاح الضريبي، بغاية ترسيخ المسؤولية الوطنية على هذا الصعيد.
أما الدرس الثالث، فيتعلق بكون السياسة يستحيل أن تنجح وتنتصر بلا أخلاق، وبأن هذه الأخيرة لا تتحقق إلا عندما تكون مجسدة بالملموس في الأفعال والسلوكات، وليس فقط في الخطب والتصريحات والشعارات، وكما حدث مع الوزير الفرنسي، فان من يدوس على الأخلاق وقيم النزاهة عندما يكون في المسؤولية لا يحق له أن يدافع عنها في التجمعات الحزبية، وأمام ميكروفونات القنوات.
[email protected]

Top