والي جديد للدار البيضاء

تم، أول أمس الاثنين، تنصيب السيد خالد سفير، الذي عينه جلالة الملك واليا جديدا على جهة الدار البيضاء الكبرى وعاملا على عمالة الدار البيضاء، وتتطلع كل الساكنة البيضاوية اليوم إلى أن تلج العاصمة الاقتصادية للمملكة مرحلة جديدة على صعيد تدبيرها العام وأفقها التنموي والاستراتيجي، وذلك استحضارا لما تضمنه الخطاب الملكي الأخير في افتتاح الدورة البرلمانية.
إن ما استعرضه جلالة الملك من اختلالات ومعضلات تعاني منها الدار البيضاء وساكنتها، واللغة الصريحة التي تكلم بها جلالته، والمناسبة التي جاء فيها الخطاب، كل ذلك كان يمثل تنبيها ملكيا في العمق، ودعوة للتحرك ولوقف النزيف، لكن ردود الفعل التي أقدم عليها منتخبو المدينة مباشرة عقب الخطاب الملكي أبانت عن عجز كبير في التقاط الإشارة، واستيعاب المراد، ومن ثم مطروح اليوم على الوالي الجديد، الذي سبق أن كان عاملا على بعض مقاطعات المدينة، أن يجعل مسؤوليته تنتظم ضمن الرؤية الإستراتيجية التي دعا إليها خطاب الملك.
الدار البيضاء اليوم تكشف عن تجليات عجز كبير في تلبية حاجيات الساكنة ومطالبها، وهي أيضا تشهد تراجعا مهولا في دورها التنموي الوطني والدولي، باعتبارها العاصمة الاقتصادية للمملكة وقاطرتها التنموية، وجراء ذلك، بات المواطنون في مختلف مجالس الحديث يشكون معاناتهم اليومية داخل المدينة، وصار الفاعلون الاقتصاديون أيضا يتحدثون عن صعوبات ومشاكل متعددة تعترضهم، وجميعهم يأملون اليوم أن ينجح الوالي الجديد، خريج البوليتيكنيك والكاتب العام لوزارة المالية، في وقف النزيف أولا، وبعد ذلك وضع المدينة ومجالها الجهوي ضمن دينامية جديدة تعيد لها الاعتبار، وتمكنها من النهوض بأدوارها الوطنية والدولية، أي أن الحكامة الجديدة المطلوبة اليوم يجب أن تستهدف تلبية الخصاص الاجتماعي والحضري لفائدة الساكنة، وأيضا تقوية وتعزيز الدور التنموي الوطني والدولي للدار البيضاء.
صحيح، أن من ضمن مشاكل الدار البيضاء افتقارها اليوم إلى نخب ذات كفاءة ومصداقية على مستوى الهيئات المنتخبة المدبرة لشؤونها، وهذا يجد تفسيره أساسا في منظومات العبث الانتخابي التي حولت كثيرا من «الشناقة» إلى منتخبين وأعيان ومدبرين بلا أي معرفة أو نزاهة أو رؤية، لكن هذا الواقع لا يعني أي تشجيع لإبعاد «السياسي»، أو إغراق المدينة في مقاربة تقنوقراطية تتجاوز المرتكز الديمقراطي المحلي والمقاربة التشاركية، وإنما المطلوب اليوم هو تقوية السير في مسلسل الإصلاح السياسي والديمقراطي، وتأهيل المسلسل الانتخابي والعمل الجماعي المحلي والجهوي، بالإضافة طبعا إلى تفعيل حكامة ترابية متجددة ومنسجمة وذات نفس التقائي من دون أي تفريط في النجاعة والفعالية والحزم.
الدار البيضاء، وانطلاقا من أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية، تكتسي خصوصية لا تخفى على أحد، ولذلك هي تتطلب اليوم تعاملا خاصا يستحضر الأهمية التي أولاها لها الخطاب الملكي الأخير، وباعتبار كونها الوجه الحضاري للمملكة والحاضنة لأفقها الحداثي، فهي تحتاج اليوم إلى سياسة حضرية مندمجة تقوم على ما تستدعيه المرحلة من أولويات، وما يتطلبه الوضع من اختيارات يجب أن يتوافق عليها الجميع، وينخرط الكل في تنفيذها.
يعول على خالد سفير اليوم لخلق الدينامية الجديدة التي تكلم عنها وزير الداخلية خلال حفل التنصيب، وذلك يقتضي الشروع فورا في بناء أجواء جديدة للتعاون ولإشراك مختلف الفعاليات المحلية بغاية «توحيد الصفوف ووضع برنامج موحد للعمل» يجسد قطيعة مع زمن الريع ومسلكيات «الشناقة» و… اللامستوى.

Top