اللوائح… في التعليم

تتوالى، منذ أيام، ردود فعل عدد من المدرسين والنقابات التعليمية حول قوائم الموظفين «الأشباح» التي أعلنت عنها وزارة التربية الوطنية مؤخرا، ويقدم عدد من المحتجين تكذيبات لوضعية بعض من وردت أسماؤهم ضمن القوائم المذكورة، كما تعتبر النقابات أن الأمر كله لا يعدو إجراء تقنيا وإداريا عاديا كان على الوزارة القيام به من دون أية دعاية إعلامية، كما تؤاخذ على القوائم تضمنها للعديد من الأخطاء، وفي المقابل ترى الوزارة الوصية أن الأمر يروم تطبيق القانون، وتوضيح الأشياء بين من يمارس عمله فعلا ومن يكتفي بتسلم الراتب من دون أن يقوم بأي واجب يبرر به ذلك، وبين الطرفين تخشى أسر التلاميذ أن يضيع أبناؤها داخل هذا الشد والجدب بين الوزارة وموظفيها، ويزيد مستوى تعليمنا انحدارا وتقهقرا. ومن الصدف الدالة أن هذا التوتر الجديد طفا على السطح متزامنا مع صدور تقارير تكشف عن ارتفاع مهول في أرقام الهدر المدرسي وسط تلاميذنا، وعن الحجم الكبير للرسوب، وبالتالي عن المستوى المتدني لتعليمنا، وهنا بالذات يكمن المشكل الحقيقي الذي على كل أطراف العملية التربوية الانكباب على معالجته.
لا أحد اليوم يختلف على اعتبار منظومتنا التعليمية متخلفة جدا، وتعاني من كثير أزمات ومعضلات لا تخلو من مخاطر عن مستقبل البلاد برمتها، وأفقها الديمقراطي والتنموي، وعند كل تشخيص نجد كل طرف يجتهد في إيجاد المبرر لرمي الكرة عن عرينه والتلويح بها في عرين طرف آخر، والحال أن كل الأطراف تتقاسم المسؤولية عما وصل إليه تعليمنا اليوم من انحدار وتخلف وقتامة أفق.
فعندما تكون المستويات التعلمية ضعيفة، ويكون امتلاك اللغات كلها ضعيفا ومتخلفا، وتتراجع المدرسة عن إشعاع قيم الانفتاح والوعي والثقافة وسط الشباب، وعندما يكثر الهدر المدرسي ويتنامى الرسوب في مختلف الأسلاك، وعندما يصير حتى التخرج من الجامعة مرادفا للعطالة ولمعانقة احتجاجات واعتصامات العاطلين في الشارع، فإن كل هذا يعني ببساطة وجود أزمة حقيقية في تعليمنا، وعلى الكل الإحساس بمسؤوليته تجاهها.
كل الكلام الطويل والعريض عن الحداثة والديمقراطية والتنمية البشرية هو بلا معنى مادام تعليمنا متخلفا، ومادامت الأمية تعشش وسط السكان، ولهذا سبق لجلالة الملك في أحد خطبه أن بوأ قضية التعليم مكانة القضية الوطنية، وجعل إصلاح التربية والتكوين في نفس مستوى حماية الوحدة الترابية للمملكة.
ليس من المصلحة اليوم، فتح الباب لسجال عقيم جديد حول لوائح جديدة، ولكن الأساس يبقى هو أولا تطبيق القانون في هذا الموضوع، وإذا كانت هناك فعلا أخطاء تقنية أو إدارية، فبالإمكان تداركها وتصحيحها بلا كثير مزايدات من أي طرف، وبعد ذلك يجب أن تعي كل الأطراف أن تعليمنا فعلا في أزمة حقيقية، وأن المسؤولية في ذلك يتحملها الجميع، بما في ذلك المدرسون أنفسهم، وإن بنسبة أقل من غيرهم، ومن ثم فالحاجة اليوم ملحة ومستعجلة لتفعيل إصلاح جذري وحقيقي وللمنظومة التربوية بكاملها، وذلك وفق قرارات إستراتيجية وشجاعة وفعالة.
[email protected]

Top