البرنامج الحكومي…

يقف رئيس الحكومة أمام البرلمان ليعرض البرنامج الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتزم تحالف الأغلبية تنفيذه في الولاية الجديدة بعد أن ينال ثقة مجلس النواب.
إنها اللحظة السياسية التي تلخص انتظارات شعبنا، وخصوصا الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويجب ربح رهانها.
صحيح أن صخب السجال السياسي والإعلامي الذي رافق فترة “البلوكاج” ومشاورات تشكيل الحكومة، ركز على الجوانب السياسية والمؤسساتية وعلى خطب ومواقف وسلوكات بعض قادة الأحزاب، ومن ثم لم يتحدث الكثيرون عن البرنامج الحكومي، وضعفت، بالتالي، الانتظارات والرهانات بخصوصه، ولكن، عديد فئات وسط شعبنا، مع ذلك، تهمها كثيرا هذه اللحظة، أي ماذا ستفعله هذه الحكومة لتحسين أوضاع الناس والنهوض بواقع البلاد في مختلف المجالات؟.
لن يستطيع أحد اليوم أن ينكر أن استعصاء تشكيل الحكومة والفراغ المؤسساتي الذي دام حوالي نصف عام، خلف جمودا في عدد من القطاعات والمعاملات، وكرس غموضا في المناخ الاقتصادي العام بالبلاد، وهذا هو التحدي الأول أمام حكومة سعد الدين العثماني، أي استعادة دينامية الاقتصاد والإدارة، ومنح الفاعلين الاقتصاديين وعموم شعبنا الثقة والتفاؤل في المستقبل.
الشق الاجتماعي في البرنامج الحكومي يعتبر تحديا مركزيا آخر ستتوجه إليه الأنظار، وذلك بالنظر لمستوى الفقر والخصاص الذي يمس فئات فقيرة ومتوسطة، وأيضا المناطق النائية والجبلية والأرياف والمدن الصغيرة وهوامش المدن، ومن ثم يجب الإعلان عن برامج ناجعة وإجراءات عملية في محاربة الفقر، وعلى صعيد التخفيف من حجم البطالة، وخصوصا وسط الشباب، وأيضا بخصوص الطرق في العالم القروي والنهوض بواقع صغار الفلاحين، بالإضافة إلى ضرورة صياغة مداخل شجاعة لتحقيق إصلاحات جذرية في المدى المنظور لقطاع التعليم، وذلك بما يحسّن الجودة والمستويات ويحمي ويطور المدرسة العمومية، وأيضا يتيح إدماج الخريجين في سوق العمل.
قطاع الصحة كذلك يتطلب مواصلة الإصلاحات بخصوصه، وتحسين خدماته وكامل منظومته، علاوة على ضرورة الانتقال نحو مرحلة جديدة في مسار تنفيذ نظام “راميد” وتوفير كل الإمكانيات المالية والبشرية والهيكلية لذلك.
إن البرنامج الحكومي يجب ألا يكون مجرد تجميع لوعود انتخابية لها معجمها الخاص وإكراهاتها المفهومة، ولكن يجب أن يقوم على الوعي بأهمية إبراز الأثر الملموس على حياة الناس وواقع البلاد، ومن ثم فهو يجب أن يكون عمليا وواقعيا ويستجيب لانتظارات شعبنا، وأن يقدم الأجوبة اللازمة عما يتداوله المغاربة اليوم وما يتطلعون إليه من حكومة بلدهم.
هناك إذن انتظارات اجتماعية ضاغطة في الشغل والصحة والسكن والتعليم والتنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر والهشاشة يجب الاهتمام بها وصياغة إجراءات ملموسة لتحقيقها ضمن زمنية واقعية ومقبولة.
ثم إن الحكومة الجديدة، وبحكم تركيبتها العامة وسياقها، هي ليست حكومة قطيعة، وإنما يجب أن تنطلق من نتائج اقتراع سابع أكتوبر الماضي لتؤكد على الاستمرار في إصلاحات كبرى انطلقت أوراش إنجازها في السنوات الأخيرة، وتعني إصلاح المقاصة والتقاعد، بالإضافة إلى أهمية تقوية دولة القانون في المجال الاقتصادي، عبر محاربة الفساد والريع والرشوة، وتمتين منظومات وسياسات الحكامة الجيدة وإصلاح الإدارة وعصرنتها وتأهيل القضاء وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيجب كذلك الحرص على مواصلة تطوير مخططات بعض القطاعات مثل: الفلاحة، الصيد البحري، الصناعة، وإصلاح نقائصها واختلالات تطبيقها، والعمل، من ثم، على تكريس اندراجها ضمن أفق وطني عام يروم تحقيق القيمة المُضافة وتحسين مستويات النمو وخلق فرص الشغل، كما أن التحديات الإستراتيجية المطروحة على بلادنا، سواء ما يرتبط بالموارد المائية أو البيئة أو التغيرات المناخية، أو أيضا ما يفرضه الحضور المغربي القوي في إفريقيا، والشراكة المغربية مع بلدان الخليج ومع الصين والهند وروسيا، فضلا عن العلاقة مع الشركاء التقليديين للمملكة، كل هذا يجب أن يبرز ضمن توجهات ومخططات البرنامج الحكومي، استحضارا للخطاب الملكي في دكار، وأيضا اعتبارا لما صارت تفرضه طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة وأوضاع محيطنا الإقليمي، وضرورة الدفاع، تبعا لذلك، عن المصالح الوطنية والإستراتيجية لبلادنا.
إن البرنامج الحكومي، وفضلا عن الانتظارات الاجتماعية والاقتصادية والتحديات الإستراتيجية، يجب أيضا أن يستحضر الأوضاع الصعبة لفئات متعددة، والحاجة إلى بعث إشارات إيجابية تهم تحسين ظروف عيش صغار الموظفين والعمال وأجراء القطاع الخاص، وإصلاح المنظومة الجبائية الوطنية، والاهتمام بقطاع السكن، وذلك بغاية خلق أجواء إيجابية في النفسية المجتمعية العامة.
البرنامج الحكومي، لا بد كذلك أن يمثل مناسبة لبعث رسائل إيجابية تعنى بحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين الجنسين وتعزيز منجز المصالحات الوطنية في مختلف تجلياته الحقوقية والثقافية والترابية، والنهوض بالثقافة الأمازيغية، وإبراز حضور أكبر للمطلب الثقافي والفني والإعلامي في السياسة العمومية للدولة.
شعبنا يعيش مشاكل وإكراهات اجتماعية واقتصادية، وعديد قطاعات تعاني من الضعف والخصاص، وتحديات أساسية مطروحة على البلاد والمجتمع، والبرنامج الحكومي يجب أن  يفتح للبلاد أفقا للتفاؤل بغد جديد، والثقة في المستقبل.
هذا هو المهم اليوم.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top