جرعة غياب

يمكن حدوث ذلك !

أأكتب مرّة أخرى بشغف متجدد !

أأكون امرأة متّقدة داخل شعور مختلف، امرأة تشتعل بالكتابة وتتوهج بالكلمات، تخوض وجعا شاهقا مع الكبرياء، تكون في عداد الأبجدية لا تعرف سبيلا للانطفاء؟

امرأة تلوّح للضجر بالوداع وتستعيد رائحة الأُلفة التي ضاعت في حياة شاقة للغاية !

أشياء كثيرة أحتفظ بها داخل مقدمة تاريخية، مقدمة تطرفتُ فيها إلى جموح قلبي المرّفوق بذنب عشقٍ نرجسي، إلى القوة الدفينة التي أخفيتها عن الجميع وعنكَ بالتحديد، إلى القصائد التي كتبتها مؤخراً أثناء وحشتي الكثيرة،

إلى البؤس الذي عاش داخلي طويلا، إلى الرغبات الخجولة وبقايا الليالِ الحميمة، إلى الهُناك أين استبدلت أحلامي باسم رجل كان يتمادى في العبث بخصلات شعري حتى بات قريباً، قريباً جدا

إنه رجل ظل يطفو داخل رأسي مثل أغنية قديمة أستمتع بها كثيرا، متّعني ببراعة المراوغة والتمثيل،

غافلني بفن لم أكن أعرف عنه شيئاً وأفقدني مهارة الحبّ التي صبغتني الأيام بها

شرّع كل نوافذ الضوء التي كانت تُشعرني بالحرية ورمى عليّ رجفة مقصودة،

رجفة استغرقت مدة طويلة كل مرّة تُسقِطني في فخ جديد، رجفة ماكرة امتزجت مع روحي العليلة وشاركتْها سرير ولحاف واحد

إنها ها هنا لا تزال عالقة في الذاكرة،

عجباً !

حين كنتَ تشاركني الشعور ذاته داخل النصوص، تقول مرحباً

أرد عليك في صمت «أحبّك»

كم كنتَ مثيرا لقلبي !

محشورا في تفاصيل مكدّسة عشتها معك بشغف لامتناهِ، بلهفة قد لا تعود لأسباب كثيرة

أحدها أن المسافة بين قلبينا باتت كبيرة، كبيرة جداً

رجل!

تصيّد حواسي وأسرار نظراتي البريئة وأتبعها بأحاديث جريئة، أصابني بزحام المساءات الهاربة من مواعيد دافئة مشيتُ إليها وأنا متفقة تماماً مع عشقه، مواعيد تفسر انتمائي إلى استحالاته الكبيرة،

يالهولِ تورطي به!

كان يدفعني نحو عناقات طويلة، نحو قُبل مثيرة و أفكار مجنونة كأنني لحن يتناغم مع صندوق الموسيقي

لا أستطيع قطع خطواته نحوي، في كل مرّة ينتزعني من فقاعات الحزن التي كانت ترقص فوق أكتافي، يُخرجني من متاهة الأقبية المظلمة التي سجنتني الحياة داخلها لسنوات طويلة، صرت أهرب إليه كملجأ..

أحاكيه عن ضربات أدمتني، عن خيبات غرست جثثها داخل نعشي، أخبره عن أسباب تشقق شفتايّ وعن أثر الكدمات السوداء التي تستريح تحت عيني، عن غياب رّج قلبي وحوّله إلى مدينة مهجورة،

عن امتناعي عن الضحك و ألفاظي البذيئة عن سوداويتي التي أواجه بها كل شخص ينوي الاقتراب مني

أخبره عن فوضوية روحي عن اضطرابي المفاجئ وعن تلك الذكرى التي تتكرر داخل رأسي كل ليلة

أووووه …

هل عدت للتفوه بالحماقات مرة أخرى؟

..

گنت أعتقد أن الأيام ستمضي وأتخطى عنادي، أتخطى أفكاري، فلسفتي وخسارتي، أتخطى، ثأري، هشاشتي وأشياء كثيرة تعود عليّ بالسوء لكن يبدو أنني التي أمضي وحيدة في بلاد ناعسة. أتخطاني، أتخطى موتي، ذاكرتي، صراخي و هدير ثرثرتي

هكذا أنا دائما مائهة في دروب صدئة، أبتاعُ شرودا فاخرا وأُلقي بنفسي من طوابق شاهقة الوجع، تركت بيني وبين الأمس صفيحاً من الدهشة أصابتني في عمق أيامي، أيام رأيت فيها وجهك بوضوح حينما گانت المواعيد تتكفل بترتيبنا، حينما أشعلتُ أصابعي العشرة شموعا و رحتُ أملأ بك الدنيا، وأجيء بالليل في كلمات تستيقظ عندها كل المشاعر

عائدا من قاع لم يمنحك عكاز تواسي به ندوبك

عائدا من مواجع أبرحتك هزائم و من قلق تكّفل بفرم صبرك

عائدا من هشاشة لا تؤدي بك إلى مهرب و من أغوار لم تزدك إلا بأساً

في وقت ما..

جعلتك تزهر أينما كنت ، خلقتُ لك حياة جديدة تشبه رحابة السماء حين تستقبل النجوم ليلا، حياة تناسب الخبايا النائمة داخل صدرك، تشبه الطيور حين تؤثث أحلامها ع كتف شجرة، تشبه الأشياء الحالمة التي تنبت من خيبة، تشبهني حين تخطفني هالة من الحب نحوك،

تلقفني صحوة المساء و تغادر بي إلى الهُناك حيث أنت وقمحك المنثور فوق وجهك المُتعب،

مازلت أتذكر ارتباك عينيك حينما كانت تبحث عني وسط الفوضى التي أُضرِمت داخلك، تلك الفوضى التي استوقفتك كثيرا عند مداخل قلبي،

أتذكرك وأنت تركض وتلوّح للحب داخل حقول السعادة

حين قلتَ للحب انتظرني !

وغفلتني في عمري الحزين ورُحتَ تجدف أمواج قصائدي، تعرّضتَ لخلوتي واقتحمت انكماش شغفي،

جهّزتَ مواعيدا عابرة و حاصرْتني بمشاعر انتفضت داخل أضلعي، بحثْتَ عن سجّل حياتي فوجدته مجبولا ب لحظات الصبا، مخضّب بتفاصيل ملوّنة بالحب والدفء،

إنها المرة الأولى التي يصقعني أحدهم وأنا مشغولة بصقل درج أحلامي

إنها المرة الأولى التي أعرف فيها ما معنى معاناة

إنها المرة الأولى التي أزور فيها الجحيم، لقد فردت مشاعري أمام حماقة الحب واستهلكتُني في محض هراء لا يناسب قلبي، وها أنا اليوم أعضّ أصابعي ندماً

فقدتُني في ركن متاح يركض إليه الحمقى وأنا التي لا يناسبني ما يتهافت عليه الجميع، لقد عدت أدراجي

– لكن بعد ماذا ؟

صدقني لم تعد تعنيني في شيء،

كنت ساذجة وقتها لما رفعتك بلغتي إلى مكان كبير جدا عليك، مكان لم تجد فيه نفسك فتعاليت و تماديت حتى سقطت عنك كل الوجوه المزيفة التي ارتديتها ..

وها أنا اليوم أرى وجهك بوضوح تام، أرى وجهك كما لم أراه من قبل

وأردد في نفسي أحقا أنا أحببت هذا؟

لا أدري أين كان عقلي وقتها، لا شك أنه كان يتجول في أماكن محظورة.

لا أريد العودة للكتابة ..

لأن الذي بيننا خراب هائل، لن تستطيع جميع الاحتمالات إصلاحه هذه المرّة..

بقلم: هند بومديان

الوسوم
Top