الوزيرة والقضاة

رد الفعل الذي أبداه بعض أعضاء نادي القضاة بشأن تصريحات الوزيرة والمناضلة التقدمية شرفات أفيلال الرافضة لزواج القاصرات أصابنا فعلا بكثير من الاستغراب والأسف…

الوزيرة صرحت بما هو معروف عنها وعن حزبها من مواقف مبدئية في قضايا المساواة وحقوق المرأة وحقوق الطفل، وهي ترى أن الفتاة قبل 18 سنة مكانها الطبيعي هو المدرسة، وليس بيت الزوجية، ولهذا هي ترفض تزويج القاصرات، ولم تعبر هنا سوى عما يقوله حزبها التقدمي منذ عقود، وصرح به في الفترة الأخيرة في أكثر من مناسبة، وقالت به نزهة الصقلي ورشيدة الطاهري وباقي أعضاء فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، كما قدم القيادي في الحزب والمستشار في الغرفة الثانية النقيب عبد اللطيف أوعمو بشأنه مبادرة تشريعية تفاعلت معها كثير قوى وفرق بمجلس المستشارين وخارجه…
لكن بعض السادة القضاة لم يروا في كامل كلام السيدة الوزيرة سوى أنها قالت بأن الاستثناء الذي تركه القانون للقضاة شهد سوء تدبير، ومن ثم فالقضاة لهم أيضا مسؤوليتهم، وكان هذا كافيا لكي يخرجوا محتمين بعرين الزمالة المهنية، وليقولوا بأن «الحكومة هي التي تتحمل مسؤولية ارتفاع الإذن بزواج القاصرات بعدم محاربتها للفقر والهشاشة والهدر المدرسي»، وليضيفوا بأن» القضاء يعالج هذه الأوضاع، أي طلبات الإذن بالزواج التي يتقدم بها أولياء أمور الفتيات القاصرات، بما يخدم المصلحة العامة».
وبدا كما لو أن في الكلام قرار وضع نقطة النهاية لكل نقاش، وأمر بمنع كل اختلاف مع هذا»الأوكاز»على حد لغة السلافيين…
وكما في جميع خطابات المزايدة والهروب إلى الأمام، فقضاتنا المحترمين جدا يدفعون هنا أيضا بواقع هؤلاء الفتيات، وبالأوضاع في المناطق النائية، ثم …ينزلون علينا بالقول الرجعي العتيق بأن مشاكل المرأة المغربية لا تحل في جنيف أو في نيويورك، وبأن هؤلاء الوزراء»كذا»لا يعرفون مشكلات المغرب والمغاربة، ثم يختمون ب»أوكاز»جديد، بأن دور القضاة يقتصر فقط على تطبيق القانون الذي أقره المشرع.
هنا مبعث الأسف الذي نحس به، أي أن قضاتنا لا يريدون الاقتراب من أي اجتهاد ولا هم يحزنون، وهم أيضا لا يرون لهم دورا  مثلا في تقوية مسيرة الإصلاح والتحديث في هذه البلاد، ولا يعتبرون أنفسهم معنيين بدفع مسلسل التغيير إلى الأمام…
الواقع في بعض مناطق البلاد هو الذي يؤدي إلى انتشار زواج القاصرات، نعم أيها السادة، ولكن ما هو دوركم أنتم أيضا كقضاة في المساهمة في تغيير هذا الواقع؟
ثم إن هذا الواقع  يشهد أيضا إقدام فتيات أجبرن على الزواج من مغتصبيهن على الانتحار، وأخريات ألقي بهن مع أطفالهن إلى الشارع وإلى … التشرد، فما هو شعوركم أمام مثل هذه المآسي الاجتماعية الموجودة حقيقة وليس افتراضا؟
كان يجدر ببعض قضاتنا اعتبار كلام الوزيرة شرفات افيلال فضحا لواقع موجود، ودعوة إلى حوار مجتمعي صريح بخصوصه، ومن ثم الانخراط في النقاش بشكل عقلاني مسؤول، بدل الاستنفار الغريب المرتكز إلى التحصن بمهنية ضيقة جدا ومنع كل الآخرين من الحديث.
ثم إنه لا يوجد في كلام الوزيرة ما يجعل المسؤولية مقصورة على القضاء والقضاة، بل إن الظاهرة، موضوع الحديث اليوم، هي نتاج مسؤوليات متعددة ومتداخلة، وعلى رأسها هناك بالطبع مسؤولية السياسات العمومية المنتجة للفقر والهشاشة والأمية، كما توجد أسباب ثقافية واجتماعية، ولهذا يمكن لرجال الدين المنفتحين الإسهام في الحد من مآسي الظاهرة، ويمكن لوسائل الإعلام أيضا، بالإضافة إلى القضاة الذين بإمكانهم لعب دور محوري من خلال الإصرار على البحث والتحري قبل ممارسة»الصلاحيات التقديرية» المخولة لهم.
في معركة إنجاح الإصلاحات المجتمعية الكبرى يكون للقضاة دور كبير وأساسي، وذلك سواء في قضايا حقوق المرأة والمساواة، أو في قضايا الديمقراطية وحرية التعبير وحرية الصحافة، ولهذا القوى الديمقراطية في حاجة إلى القضاة المجتهدين كحلفاء في هذه المعركة الوطنية، تماما كما فعل قضاة آخرون في كثير بلدان عربية وأجنبية عبر التاريخ.
أما زواج القاصرات فستبقى القوى الديمقراطية والتقدمية والحركة الحقوقية والنسائية ضده، وستواصل المطالبة من أجل منعه دفاعا عن حقوق وكرامة طفلاتنا ونسائنا، ودعما للدينامية الديمقراطية في بلادنا.
[email protected]

 

Top