عاشر دجنبر

يحتفل المجتمع الدولي اليوم بعاشر دجنبر، الذي  يخلد ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة تتوقف خلالها الحكومات والمنظمات الحقوقية والشعوب لتقييم ما تحقق من مكاسب، ولتجديد التأكيد على المطالب، وتحديد الخطوات المستقبلية، كما أنها مناسبة للتذكير بكثير من الانتهاكات الممارسة في شتى بقاع العالم سواء ضد الأفراد أو الشعوب، وأيضا لحشد الدعم والتأييد لنضالات الشعوب من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة، أي بلوغ ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمعيار مشترك للانجاز لجميع الشعوب وجميع الأمم.
في بلادنا، تمكنت نضالات القوى الديمقراطية وكفاحات شعبنا والجمعيات الحقوقية من أجل مراكمة كثير مكاسب ديمقراطية وحقوقية لا يمكن اليوم إنكارها أو نفيها، كما أن توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ومقتضيات الدستور الجديد أسسا لدينامية مستقبلية من  شأنها تطوير المكاسب المذكورة، وتفعيل منظومات قانونية وتنظيمية ومؤسساتية لتحصينها، ولتفادي تكرار ما كانت بلادنا قد شهدته خلال» سنوات الرصاص»، ولكن، في المقابل هناك مطالب لازالت مطروحة إلى اليوم، ولازالت البلاد بين الحين والآخر تشهد تجاوزات وأخطاء، والتفاعلات الجارية في البلاد على هذا المستوى تؤكد اليوم الحاجة إلى المرور إلى سرعة أكبر في إيقاع ديناميتنا الحقوقية الوطنية، وإعمال جيل جديد من الإصلاحات المنسجمة مع أفقنا الدستوري الحالي، ومع التطلع العام لشعبنا لمزيد من الحرية والديمقراطية والحداثة.
بلادنا تمتلك الكثير من الشروط والركائز التي تؤهلها ل»اقتحام»خطوات أخرى في هذا المجال، سواء بالنسبة لما يثار دوليا حول أقاليمنا الجنوبية مثلا، أو بخصوص قضايا أخرى مثل: المساواة، إلغاء عقوبة الإعدام، تمتين حرية الصحافة والتعبير، تفعيل رسمية الأمازيغية، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المطروحة اليوم في أجندة المطالب الحقوقية الوطنية، ولا نفتقر سوى إلى مبادرات عملية تترجم الإرادة السياسية المبدئية التي جرى التعبير عنها أكثر من مرة وفي مختلف مستويات الدولة، فضلا على أننا مطالبون بالانتباه إلى حجم الانعكاسات الايجابية التي يمكن أن تنتجها مثل هذه المبادرات غير المكلفة ماديا على إشعاع المملكة وصورتها وجاذبيتها.
التجارب تعلمنا أن كل ما يتم تحقيقه كمنجز تنموي وسياسي ومؤسساتي يكون صعبا الترويج له ما لم يقترن بمنجز حقوقي وديمقراطي واضح، ويندرج ضمن المنظومة الكونية لحقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، ومن ثم لم يعد مقبولا اليوم الاستمرار في التردد، وبالتالي التسبب لبلادنا في كثير من الأضرار العملية والديبلوماسية، جراء سياسة»خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء» في مجال حقوق الإنسان، وخصوصا ما يتعلق بأداء جميع الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين في الميدان.
حتى في الأدبيات الحقوقية، هناك ما يفيد الدول والحكومات في التوازن بين حفظ الأمن مثلا واحترام حقوق الإنسان، ولهذا لابد من الانفتاح على المنظمات المدنية، الوطنية منها والدولية، بلا بيروقراطية أو وصاية، والاستفادة من اجتهاداتها وتجاربها وملاحظاتها، وبالتالي تكريس الدينامية الإصلاحية في المملكة، بما يجعلها نموذجا متميزا فعلا في المنطقة.
[email protected]

Top