لا نجاح لبيداغوجية الإدماج إلا بإقرار نظام التخصصات

إذا كان غليلي قد وضع حدا لسلسلة من التكهنات وأكد أن الأرض تدور حول الشمس، وعن هذا الدوران يسفر تعاقب الليل والنهار والفصول الأربعة أي تنتج تغيرات عميقة سواء على مستوى البشر أو الشجر- البيئة- أو العلوم وعلى رأسها علم التاريخ والجغرافية والطب والهندسة والعمران والتعمير والتربية والتدريس- بطبيعة الحال-، فإن الفاعلين التربويين يجزمون أن المدرسة الابتدائية، هي التي لا يلمسها تغيير من مسرح هذه التحولات، سوى تبليط ساحاتها وتجبير جدرانها وتبديل طاولاتها ومكاتبها وأسماء مدرائها ومدرسيها وأعوانها وعناوين متعلميها إلى حين حلول حكومة التناوب.

عندئذ تغير العمل بالكتاب المدرسي الواحد، وصرنا أمام رزمانة من الكتب والمراجع التربوية، أي أننا انتقلنا من تفق التدبير الفردي إلى رحاب العمل الجماعي المشترك. ورغم الجهود التي بذلت في هذا المضمار بغية النهوض بالمنظومة التربوية وتحقيق التنمية المستديمة لها القطاع، إلا أن عناصر أساسية تشكل بحق حجر زاوية عملية إصلاح نظامنا التعليمي، لم يتم التطرق إليها كمسألة إقرار التخصص بالتعليم الابتدائي وتوفير معيدون وحراس عامون على حسب حجم كل مؤسسة من حيث مساحتها وعدد التلاميذ المتمدرسون بها، على سبيل المثال، وبذلك ظل خطاب الإصلاح يراوح مكانه ويلامس النقط المألوفة. فلماذا يتم التفكير في تغيير البرامج والمناهج و في تطوير الإدارة التربوية وفي تكوين الموارد البشرية وفي خلق أشكال التتبع الفردي للمتعلم ولا يتم التفكير في الثقل الزمني- عدد ساعات العمل خلال الأسبوع- وكثرة المواد الدراسية؟ كيف نستسيغ التباينات والمفارقات الزمنية الصارخة بين أسلاك نظامنا التعليمي من الابتدائي إلى التعليم العالي؟

 

إلى متى نقبل في الألفية الثالثة بمدرس يدرس سيل من المحتويات الدراسية: المواد الدينية- القران الكريم والحديث النبوي والآداب الإسلامية والعقائد والعبادات والسيرة النبوية- والمواد اللغوية- ك القراءة والتراكيب والصرف والتحويل والإملاء والشكل والتطبيقات الكتابية والإنشاء والاجتماعيات- كالتاريخ والجغرافية والتربية على المواطنة ومواد التفتح العلمي- كالنشاط العلمي والتربية التشكيلية؟

إن التحولات التي يشهدها العالم اليوم خاصة على المستوى العلمي والمعرفي، بات يفرض استراتيجيات التدريس بالتخصص تماما كما هو الحال بالسلك الإعدادي والثانوي علما منا، أن حلقة التعليم الابتدائي جزء لا يتجزأ من الإدارة المركزية والمنظومة التعليمية برمتها، خصوصا أن مدارسنا تتأهب غدا لاعتناق التدريس ببيداغوجيا الإدماج التي تنبني على الوضعيات المركبة- المشكلة- والتي لتحقيق أهدافها المتوخاة ولبلوغ كفاياتها الأساس يلزم المدرس بلعب ادوار محفزة وتشجيعية وباتباع خطوات عملية دقيقة بدءا بشبكة الاستثمار ومرورا بشبكة التحقق وانتهاء بشبكة التصحيح، إذ في غياب التخصصات نتساءل: كيف يمكن لمدرسينا أن يقيموا ويقوموا كل أنشطة المتعلمين بالمعايير الجديدة التي تستلزمها بيداغوجيا الإدماج؟ وبالمقابل هل يستطيع متعلمونا أن يتعلموا الإدماج- بعد 6 مراحل دراسية- ويتمكنوا في النهاية من توظيف كل الموارد: الداخلية والخارجية/ التي اكتسبوها حتى يتمكنوا من إيجاد الحلول الواقعية لكل ورطة تربوية وضعوا فيها ويظفروا في النهاية بالكفاية الأساس؟

Top