نحو المؤتمر التاسع

أصر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية خلال الندوة الصحفية التي عقدها الديوان السياسي للحزب من أجل عرض مشاريع وثائق المؤتمر الوطني التاسع على التأكيد على أن اللجنة المركزية سبق أن أقرت الوثيقة السياسية وأيضا الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإجماع، ما يعني وجود وحدة سياسية داخل الحزب حول توجهاته الكبرى، وحول حصيلة عمله، ثم شدد الأمين العام، بنفس المناسبة، على أن النقاشات الحزبية التي تسبق المؤتمرات الوطنية دائما تكون ساخنة وحيوية بين المناضلات والمناضلين، لكن بمجرد المصادقة على الوثائق واختتام المؤتمر تطوى الاختلافات، وينطلق الجميع إلى العمل…
هنا الحزب يستدعي ذاكرته النضالية ومساره السياسي الممتد لأزيد من سبعين سنة، ويعلن للكل أنه ليس بلا تاريخ أو أصل، وبأن هويته الفكرية والسياسية ليست خفيفة في ميزان التزام المناضلات والمناضلين بثوابتها ومقوماتها، لكن بتفاعل دائم مع الواقع، وضمن جدلية الوفاء والتجديد التي كان الحزب أبدعها شعارا مركزيا ذات مؤتمر سابق.
إعدادا للمؤتمر التاسع تعود أخبار الحزب للنشر هنا وهناك، ويلتجئ النزهاء إلى الحصول على الخبر من مصادره، لكن غيرهم يطل من النوافذ أحيانا، ومن خلال الثقوب أو الشقوق، وللإنصاف يجب أن ينتبه المراقبون إلى كون حزب التقدم والاشتراكية، برغم كل الضربات الجانبية، يواصل تفعيل هياكله الديمقراطية، حيث تنعقد اللجنة المركزية وتتدارس مشاريع وثائق المؤتمر وتقرها، وقبل ذلك عملت اللجان التحضيرية لشهور على إعداد مسودات هذه المشاريع، ثم تلتقي قيادة الحزب مع وسائل الإعلام، وتنظم منتديات النقاش العمومي مع المواطنات والمواطنين والفاعلين في المجتمع، وتقام الجموع العامة والمؤتمرات في الفروع والقطاعات، ويجري تدقيق لوائح المنخرطين، وينتخب المؤتمرون، وكل هذا يتم استكماله قبل افتتاح المؤتمر…
هذه الدينامية لا ينجح فيها سوى حزب يمتلك تاريخا، ويتشكل من مناضلات ومناضلين، مهما تباينت تقديراتهم التنظيمية والسياسية، فهم يحرصون على وحدة الحزب وقوته، وعلى… تميزه داخل المشهد الوطني، وهنا تكمن الرسالة الأولى التي يبعثها الحزب من الآن إلى مختلف الأطراف في البلاد.
وعندما ينبه الأمين العام للحزب إلى كون المشاركة في الحكومة الحالية تمت وفق برنامج متفق عليه للإصلاح وليس لمحو الفوارق الأيديولوجية، ثم عندما يشدد على العلاقة مع «المؤسسات الإستراتيجية بالبلاد»، وعندما يجدد التأكيد على كون الحلفاء الاستراتيجيين للحزب سيظلون حلفاء، فهو، في كل هذا، يذكر الكل بحرص الحزب على استقلالية قراره، وعلى أنه هو من يصنع حاضره ومستقبله ومواقفه، أي بداخل هياكله التنظيمية، وليس استجابة أو خنوعا لرغبات أطراف خارجية…
وهنا الرسالة الأخرى التي يوجهها الحزب، أي أن الحزب كان دائما مستقلا في قراراته، وكان أيضا حزبا يستشرف المستقبل، انطلاقا من تمثله التاريخي لمنهجية «التحليل الملموس للواقع الملموس»، ولم يتردد هنا في التذكير بكثير محطات في تاريخ بلادنا حيث ثبتت للجميع صحة مواقف الحزب وتحليلاته.
يتوجه حزب التقدم والاشتراكية إلى مؤتمره الوطني التاسع إذن مفتخرا بإجماع مناضلاته ومناضليه على الأطروحة السياسية لحزبهم وبرنامجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ومعتزا يحيوية مناقشاتهم الداخلية التي تلتقي كلها، مهما اختلفت التقديرات وزوايا النظر، في ضرورة تطوير أداء الحزب وموقعه في المجتمع لخدمة المصالح العليا لبلادنا وشعبنا، كما يصر الحزب أيضا على تميزه وعلى استقلال قراره، ويرفض الضغوط والتدخلات من أي طرف خارج الهياكل الحزبية.
يعلن الحزب رفضه التحكم، ويعلن انتصاره لدولة المؤسسات، ولقيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحداثة، ويعلن اصطفافه في عمق مسلسل الإصلاح ومناهضة الفساد والمفسدين بكامل الوضوح والشجاعة وبلا لبس أو سطحية أو خفة مزاج.
التقدميون يسيرون نحو مؤتمرهم التاسع بإصرار على ذاكرتهم وتاريخهم، وبرفض جماعي صريح لكل من يسعى لاقتراف المحو في حقهم أو في حق هذه الذاكرة التي هي اليوم ملك للتاريخ النضالي لشعبنا.
[email protected]

Top