رسالتي إلى المغاربة هي: كونوا أحرارا

في هذا الحوار الذي أجراه معها الموقع الالكتروني المكتوب بالفرنسية هوف بوست ماروك، تتحدث ليلى سليماني عن روايتها الفائزة بجائزة الغونكور الفرنسية لهذه السنة «أغنية هادئة».
  تذكر ليلى سليماني أن إشكالية الصراع الطبقي لها حضور قوي في هذا الكتاب، وأنها بالرغم من أنها استلهمت فكرتها من أخبار الحوادث، إلا أنها لم تعتمد عليها تماما لبناء شخوص الرواية.
حين سئلت حول إمكانية عودتها إلى المغرب للاستقرار فيه، أكدت على أنها تعيش في باريس منذ 17 سنة، حيث كونت أسرتها، وحيث يعيش أصدقاؤها، وحيث تشتغل كذلك، وأنها جد مرتبطة بباريس وبالتالي لا تتخيل مفارقة هذه المدينة.

> كيف يستقيم أن يضع الإنسان نفسه مكان مربية أطفال مجرمة عندما يكون هذا الإنسان نفسه أما؟ ألا يعد هذا انفصاما في الشخصية إلى حد ما؟
< حينما نكتب، نحاول في نفس الوقت أن نستغل ما نحن عليه، من حيث التجربة،  وفي الوقت ذاته استدعاء المخيلة و الأحلام. لا أعتقد أن الأمر يتعلق بانفصام الشخصية، أكثر من أنه تمثل لشخصية عند قراءة رواية أو عند مشاهدة شريط سينمائي. إنه  بالأحرى سحر التخييل الذي يتيح لنا الخروج من ذواتنا نحو عوالم أخرى واقعية، لأجل ملامسة أرواح أخرى غير أرواحنا.
> ألا يشكل مفارقة كوننا نبوح بما هو أعز لدينا لكائن مجهول بالتمام؟
< عوض مفارقة، أفضل القول شكلا من أشكال اللاوعي ومن الجنون. عندما نفكر في ذلك، نصاب بالدوخة. في الوقت نفسه، هذا موجود منذ قرون. نظامنا الاجتماعي يستقر منذ مئات السنين على كون النساء البورجوازيات يتركن أطفالهن لدى نساء أخريات، أقل حظوة، حتى يتمكن من التفرغ لأشياء أخرى غير الأمومة. العلاقة مع المربيات التي كانت جد مشفرة، صارت أقل حميمية. وبالتالي يمكن أن يبدو من الغباء ترك أبنائنا لأحد في الواقع لا معرفة لنا به مطلقا. وهذه الحالة غير المعقولة هي ما يضفي جانبا من الرعب في الرواية.
> ألم يسبق لك أن جربت أن تكوني مربية أطفال؟
< أوه كلا على الإطلاق. لن يكون بمقدوري القيام بذلك. لا أملك ما يكفي من الصبر للقيام بهذا الفعل المتفرد. أنا متأكدة من أن ذلك سيصيبني بضجر فظيع. أحب العمل، أحب أن أكون متحررة وألتقي بالناس وأعيش لحظات خاصة بي. لماذا لا يتم طرح سؤال من ذلك القبيل على الرجال؟
> عموما، ما هي النظرة التي تحملينها داخل المجتمع المعاصر عن موقع الأمهات اللواتي يشتغلن؟
< أرى أن المجتمع يظل قاسيا جدا وغير عادل في ما يخص عمل النساء. أنا شديدة الإعجاب بالنساء اللواتي ينجحن في القيام بعدة مهام في آن واحد. أجد ذلك مثيرا، وأعلم إلى أي حد هو متعب؛ لأنه شئنا ذلك أم لم نشأ، الأحكام المسبقة تظل قائمة، كما أن النساء هن اللواتي يتحملن أكثر المهام المنزلية، هن الأوائل من يتم النداء عليهن حين يمرض طفل وهن اللواتي يحصلن على تخفيض ساعات العمل لحراسته.     
> العائلة النيويوركية تعيش بحي راق بمانهاتن، المربية من أصل دومينيكي، هل هي رواية حول الصراع الطبقي؟
< أنت هنا تحيل على أخبار الحوادث التي ألهمتني فكرة الرواية والتي لم أعتمد عليها تماما لبناء الشخوص. يبقى بالتأكيد أن إشكالية الصراع الطبقي لها حضور قوي في هذا الكتاب. هذا الزوج البورجوازي البوهيمي إلى حد ما، سيختبران لأول مرة قيم التسامح والانفتاح مع الواقع. إنهما من الناس الذين لم يعيشوا الاختلاط الاجتماعي ولم يتعودوا على منطق التراتبية. لأول مرة في حياتهما، يصيران سيدين ويدخل البؤس إلى محلهما.هذا بالتأكيد أصل لكل الخلافات العنيفة.
> كيف يمكن تصور مأساة من هذا القبيل لو أن وقائعها جرت في المغرب؟
<  في المغرب، لا تزال مربيات الأطفال في كثير من الحالات يعشن ويبتن لدى أسيادهن ولا يعشن حياة مثل تلك الحياة التي أتطرق إليها في روايتي. فضلا عن أن الفوارق الاجتماعية والثقافية لا تزال قائمة بشكل أقوى مما هو الأمر في باريس. أعتقد أن هذه المأساة لن تزداد إلا حدة. لكن من المهم بكل تأكيد نقل هذه المأساة إلى الواقع المغربي.
> ستقومين سنة 2017 بإخراج إلى الوجود تحقيق حول موضوع «الجنس والأوهام» في المغرب. روايتك الأولى «في حديقة الغول» تقدم صورة شخصية عن امرأة شابة شبقية، أنت لا تترددين في تناول مواضيع حساسة من ضفتي البحر الأبيض المتوسط. لماذا؟
< عندما أكتب، لا أفكر في هذه الحدود. أكتب ما يهمني، هذا كل شيء. أن يتعلق الأمر بشيء حساس أو غير ذلك، مجرد تمثلات الجمهور ووسائل الإعلام. أنا أترك نفسي منقاذة أولا لرغباتي أو لالتزاماتي.  
> هل يمكن القول إنك نسوانية (فيمينيست)؟
< نعم، بكل تأكيد، بالمطلق، بكل عفوية. المرأة بطبعها مهددة باستمرار بالاغتصاب والتعنيف والتعذيب. النساء يحصلن على أجر أقل، وينلن اعترافا أقل، وغير ممثلات في المناصب العليا السياسية أو الاقتصادية. في أغلب بلدان العالم، حقوقهن مهضومة. إنهن كما في العربية السعودية أو في أفغانستان، ضحايا لنظام أبرتايد حقيقي. إذن، فعلا، أنا نسوانية وسأظل كذلك ما دامت هذه الوضعية المنحطة قائمة.
> هل باستطاعتك العودة إلى المغرب؟
< أنا أعيش في باريس منذ 17 سنة. هنا حيث كونت أسرتي، هنا حيث يعيش أصدقائي، هنا كذلك، حيث أشتغل. أنا جد جد مرتبطة بباريس ولا أتخيل مفارقة هذه المدينة. لكن لا ينبغي إطلاقا قول أشياء بإطلاق.
> ما هي الرسالة التي تودين توجيهها للمغاربة؟
< أوه، من غير المقبول من طرفي أن أوجه رسالة للمغاربة. الشيء الوحيد الذي يمكن لي قوله والذي أعتبره مقدسا دائما، هو أن يكونوا أحرارا.

Related posts

Top