تذكير بالواضحات 

يسجل الكثيرون أن الشعوب والأفراد في العالم كله، وضمن ذلك المغاربة أيضا، يعيشون تحولات في القيم والرؤى والسلوكات، وتتفاقم الفردانية في الكثير من مجالات الحياة المعاصرة، ومن ثم يضعف الالتزام لدى المواطنين، وتتراجع جاذبية العمل الجماعي والاهتمام بقضايا الشأن العام والمشاركة في الفعل السياسي أو النقابي أو الجمعوي المنظم، كما أن تطورات تيكنولوجيا التواصل تزيد في تفشي وانتشار هذه التغيرات السوسيولوجية والنفسية والسلوكية والثقافية، وربما هي بصدد صنع ممارسات أخرى بديلة.
وفِي إطار هذه التحولات الواضحة منذ سنوات، يضعف تعبير الناس عن حبهم للوطن واعتزازهم به.
وفضلا عن ذلك، فقد يتعمد البعض، في السياقات السياسية والمجتمعية التي نحياها، أن يجعل أي تعبير عن حب الوطن مرادفا لموقف انتهازي أو لغاية ذاتية أو مصلحة أو تهافت، وأحيانا لا يهتم الكثيرون منا بطرح السؤال حول تمثلنا للوطن وللانتماء إليه، وكذلك حول سلوكنا ومشاعرنا  لتجسيد هذا التمثل وهذا الانتماء والتعبير عنهما.
في سنوات سابقة من تاريخنا السياسي والنضالي الوطني، تورد الأدبيات أن معارضين سجنوا من أجل أفكارهم ونضالهم، ومنهم من تم نفيه خارج الوطن طيلة سنوات، والعديد من هؤلاء المناضلين عانوا التعذيب وقساوة الحياة، ولكن رغم كل ذلك لم يتنازلوا عن حب الوطن.
من المؤكد أنه داخل الوطن، يجب ضمان حقوق المواطنة كلها، وأيضا الحق في التعبير والاحتجاج والمعارضة ضد كل مس بهذه الحقوق الأساسية للمواطنين، ولكن النضال من أجل هذه الحقوق، لا يعني المساومة بها ضد الوطن، وانتشار الظلم والقمع وانتهاك الحقوق، أيضا لا يقود إلى الكفر بالوطن، وإنما، بدل ذلك، يجب أن يقوي العزائم لمواصلة النضال من أجل مستقبل أفضل لهذا الوطن وشعبه.
في ظرفياتنا الحالية، يجدر التذكير بمثل هذه البديهيات ووضع الكلام كله في موقع الوضوح.
الانتصار لمغربية الصحراء والدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، هو تعبير عن حب هذه البلاد والإصرار على سيادتها الوطنية، وتجسيد للقناعات المبدئية، ولا يجوز هنا التخفي وراء نصف الموقف أو ربعه.
رفض استهداف استقرار المغرب والمس بأمنه من طرف أي كان، هو أيضا رفض لزعزعة الوطن وتمزيق وحدته وانسجامه.
وعندما تحقق البلاد مكتسبات أو انتصارات لفائدة وحدتها الترابية أو أمنها واستقرارها، يجب الفرح بذلك وتثمينه والإشادة به، والبناء عليه لمواصلة تمتين وحدة الوطن وتقدمه.
بعض المقيمين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يفهمون النضال هذه الأيام على أنه تبخيس لأي منجز وطني، ويعتبرون هذا الشعب عقيما ولم يعرف تضحيات أو نضالات حتى بدأ يتلمسها مع تدويناتهم، ويفهمون النضال أيضا هو “التشيار” ضد الوطن أو التهجم عليه أو توزيع بذاءات الكلام في كل الوجهات.
لا، أيها السادة…
الوطن ليس رخيصا، ولا مجال لأي التباس في الانتصار لقضاياه الكبرى، والنضال الحقيقي يكون من داخل قضايا الوطن ودفاعا عنه واصطفافا في الأفق الوطني…
والقيم الحقوقية الكونية، وأيضا تجارب ومسارات الشعوب، والتاريخ النضالي لشعبنا، كل هذا يحثنا اليوم على وضوح النظر، وتجديد استحضار وفهم البديهيات، وأيضا يمنعنا من لي عنق هذه القيم الكونية وتسخيرها لتكون في خدمة جينرالات النظام العسكري الجزائري المستبد أو العصابة الانفصالية المتكلسة التي تمثلهم في تيندوف.
ليس كل هذا الكلام ترتيبا لمفردات مسكوكة أو اجترارا لخطاب محفوظ، ولكنه عودة بالكلام إلى المعنى الأول والجوهري، أي إلى واجب حب هذه الأرض التي نعيش فوقها وتحضننا، وتسمى “المغرب”، وإلى التأكيد على أن معارضة اختيارات سياسية أو برامج وقرارات تدبيرية ليس معناه القفز فوق الوطن، أو السعي إلى سلخه…
الوطن وطننا، ووحدته وأمنه واستقراره، وأيضا تقدمه، كل هذا يهمنا ويعنينا، ومن واجبنا الانخراط في معركة الدفاع عنه.
يهمنا دائما أن ينتصر وطننا، وأن يمتلك وحدته وسيادته واستقراره، وأن يحقق التقدم في كل المجالات لمصلحة شعبه.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top