حركات شبابية.. جيل بعد جيل – الحلقة 1-

تمثل الحركات الشبابية جيلا بعد جيل، نقلا لراية الشغف والتغيير من جيل إلى آخر. إنها عبارة عن مظاهر تطلعات الشباب وتطلعاتهم نحو عالم يشكلهم ويشاركهم في صنع قراراته وتحديد مستقبلهم.
وتعكس الحركات الشبابية جوهر الطموح والإبداع الذي ينبعث من قلوب وعقول الشباب حول العالم، مجسدة الشغف والتصميم على تغيير العالم نحو الأفضل، بدءا من المجتمعات الصغيرة إلى المستويات العالمية. منذ أجيال، كان الشباب هو القوة الدافعة للتغيير والابتكار، وهذا لا يزال قائما في عصرنا الحالي؛ بدءا من الحركات النضالية التي ناضل فيها الشباب من أجل حقوقهم الأساسية، وصولا إلى الحركات البيئية والاجتماعية التي تسعى لتحسين شروط حياتهم وحياة الأجيال القادمة.
تتباين هذه الحركات في أهدافها وطرق تحقيقها، ولكن الهدف المشترك بينها هو خلق تغيير إيجابي يستمر للأجيال القادمة. إنها تورث الخبرات والتجارب بين الأجيال، وتبنى على الإنجازات والإخفاقات التي سبقتها، مما يعزز من قوتها وفعاليتها في مواجهة التحديات الحالية وصقل رؤيتها المستقبلية.
بالتالي، فإن الحركات الشبابية لا تمثل فقط جيلا واحدا، بل هي سلسلة من الأجيال تتبادل التجارب وتتلاحم في سعيها المشترك نحو تحقيق التغيير والتقدم.
من خلال التنظيم الذاتي والتواصل الفعال، تسعى الحركات الشبابية إلى التأثير في القضايا المحيطة بها، سواء كانت ذات طابع سياسي، اجتماعي، بيئي أو اقتصادي. تتميز هذه الحركات بتنوعها وشموليتها، حيث تجتمع الأفكار والأصوات المختلفة تحت لواء واحد، مما يمنحها قوة لا يمكن تجاهلها في مسيرة التغيير والتحول.
مع تنامي الوعي والمسؤولية الاجتماعية للشباب، يزداد تأثير الحركات الشبابية في تشكيل المستقبل وتحديد مسار العمل الجماعي نحو بناء مجتمعات أكثر عدالة وتقدما.
طيلة شهر رمضان سنقدم نماذج هذه الحركات التي عرفها العالم، وانتشرت بشكل كبير وواسع جدا بين شباب العالم، مشكلة ليست فقط مجرد تجمعات شبابية، بل قوى دافعة للتغيير الإيجابي تجسد روح الأمل والتفاؤل في غد أفضل.

شباب الحركة الهيبية.. دعموا الحب وناهضوا العنف

الهبي أو الهيبي أو الخنفوس، ظاهرة اجتماعية كانت بالأصل حركة شبابية نشأت في الولايات المتحدة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ثم ما لبثت أن انتشرت في باقي الدول. وتعتبر هذه الحركة مناهضة للقيم الرأسمالية، حيث ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كظاهرة احتجاج وتمرد على قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك، فقام بعض الشباب المتذمر إلى التمرد على هذه القيم والدعوة لعالم تسوده الحرية والمساواة والحب والسلام. ميزوا أنفسهم بإطالة الشعر ولبس الملابس المهلهلة والفضفاضة والتجول والتنقل على هواهم في مختلف الأنحاء كتعبير عن قربهم من الطبيعة وحبهم لها.
واللافت، أننا نسمع الكثير من الأمور حول “الهيبيز” لكن قليلة هي المعلومات الحقيقية التي نعرفها حول هذه الحركة أو هؤلاء الأشخاص. وتقتصر مفاهيم غالبية الشعوب حولهم على أنهم مجموعة من الشبّان الذين يدخنون الحشيش بشكل مستمر، لا يكترثون لأي شيء في العالم، يحبون الانطواء والعزلة، ويلبسون ثياب غريبة وفضفاضة.
لكن من هم في الحقيقة وكيف بدأت هذه الحركة؟
حركة الهيبيز، هي حركة ثقافية اجتماعية، نشأت أساسا في بداية ستينات القرن الماضي ضمن حرم جامعي رفضا للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع الأميركي، وسرعان ما تحولت إلى تجمع عالمي ضخم.
تعود تسمية الحركة إلى كلمة “Hip”، وهي الإيقاع الموسيقي الأشهر في حقبة الخمسينات. وأبرز من اتّبع هذا النمط الموسيقي آنذاك هما آلن غينسبرغ وجاك كيرواك، اللذان يعدان أول رائدين لحركة الهيبيز.
وفي يومنا الحالي، لا تزال كلمة Hippie تستخدم للإشارة إلى الأطراف اليسارية التي تثور على نمطية وتقاليد المجتمع. عمدوا هؤلاء الأشخاص إلى ابتكار وتطوير نمط حياة خاص بهم بدءا من الملابس والطعام وصولا إلى المبادئ وأساليب الحياة. دعموا الحب والسلام وناهضوا العنف بكافة أشكاله، متخذّين من عبارة “مارسوا الحب لا الحرب” شعارا لهم.

عاش الهيبيز ضمن أنواع مختلفة ومتنوعة كمجموعات عائلية، وبحثوا غالبا عن الإرشاد الروحي من مصادر خارجة عن التقاليد الدينية، وكان العديد منهم نباتيا، حيث دعموا بشكل كبير الحركات البيئية ونددوا بانتهاكات الإنسان ضد الأرض، كما قد عقد أول يوم عالمي للأرض بالتزامن مع حركتهم عام 1970.
مال الهيبيز إلى ارتداء الملابس الفضفاضة والمصنوعة من الألياف الطبيعية كالقطن والقنب، وفضلوا أي شيء مصنوع يدويا سواء محاكا أو محبوكا، حتى تحول الأمر إلى صناعة ملابسهم بنفسهم عبر تقنية صباغة الأقمشة المربوطة ”Tie-Dye“ لتشكيل الرسمات والتصاميم التي يريدونها.
واحتوت أكسسواراتهم وتصاميمهم على شعار السلام وتصاميم الورود والفنون السايكاديلية، والكثير من الألوان بشكل أساسي إشارة للسلام وإظهارا للجمال الطبيعي.
كانت الفتيات ترتدين قلادات مصنوعة يدويا تحوي شعار السلام، والعديد من الأجراس التي تصدر أصواتا مختلفة تبجيلا لأهمية الموسيقى.
كما اختار الهيبيز ارتداء الثياب والحلي التي تتطابق مع كلى الجندرين، كالقبعات والنظارات الدائرية قديمة الطراز وعصبات ووشاحات الرأس والصنادل في الأقدام، مع الشعر الطويل واللحية البسيطة للرجال، ومساحيق التجميل الخفيفة أو المعدومة للفتيات، وغالبا دون ارتداء الصديريات.
يرفض الهبيون العادات والتقاليد وأنماط الحياة في المجتمع، ويحاولون إيجاد نمط للحياة مغاير لما هو معروف. وقد كان معظم الهبيين، من عائلات الطبقة المتوسطة البيضاء. تراوحت أعمارهم من 15 إلى 25 عاما، فقد أصبح المراهقون يدافعون عن آرائهم ومعتقداتهم الخاصة وذلك في وجه والديهم والمجتمع، وكانوا يتركون بيوت أهلهم في سن مبكر لينضموا إلى جماعات الهبيين، وهم يعتقدون أن كثيرا من البالغين يهتمون جدا بجمع المال ولا يهتمون بغير ذلك إلا قليلا جدا.
عاش الكثيرون من الهبيين بعضهم مع بعض في مجموعات صغيرة، تعمل إحداها مع الأخرى، وتتقاسم الممتلكات. ورفض البعض منهم أن يرتبطوا بعمل أو بيت ثابت، وكانوا يتنقلون من مكان إلى آخر بحثا عن عمل جزئي ومأوى مؤقت. والتمس البعض منهم، المزيد من التغيير وعاشوا في الشوارع أو في مخيمات في المتنزهات العامة أو الميادين العامة الأخرى. وفي بعض الأحيان، كان يطلق على الهبيين أطفال الزهور، لأنهم كانوا يقدمون الزهور إلى الناس إظهارا للرقة والحب.
hippies use side door أي ليستخدم الهبيون الباب الجانبي، كانت هذه جملة توضع على بعض المحلات في فترة من الفترات، ومنها نستنتج أن الهبيين لم يلقوا تأييدا من الجميع وأن مصير حركتهم كان الاختفاء. ففي الوقت الحالي، اتضح لمعظم الهبيين، أنه ليس من السهل أن يعيدوا تشكيل المجتمع عن طريق الانسلاخ منه. حيث انضم بعضهم إلى حركات سياسية أكثر تنظيما، للعمل من أجل قضايا اجتماعية محددة. وتحول الآخرون إلى القيم الروحية والتدين. وترك غالبيتهم مرحلة الهبيين وراء ظهورهم، محاولين التمسك على الأقل، ببعض المثاليات التي أثرت فيهم في وقت ما. وفي الثمانينات من القرن العشرين اختفت هذه الجماعات تقريبا.
وبعد تراجع الحركة الهبية انتظم الكثيرون من المخلصين لها في تشكيلات تنظيمية تعمل بصورة مركزة وانتقائية وقد حققت هذه الجماعات تأثيرات ملحوظة خصوصا في المجتمعات الغربية، فظهرت جماعات سياسية تناهض التسلح النووي، وجماعات تناصر البيئة، وجماعات دعم للعالم الثالث وجماعات مناهضة للعولمة وجماعات من السلميين يناهضون العنف والحروب.

>إعداد: عبد الصمد ادنيدن

Top