نصوص مغربية وعالمية من أدب الوباء

واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء.

< إعداد: عبد العالي بركات

الحلقة العاشرة

من يوميات الحجر الصحي

< بقلم: فاطمة الزهراء الرغيوي *

أجسادنا حبيسة الآن. البعض حاول أن يحررها من خلال تلك الصور التي رفعت تحدي التفاؤل في الفايسبوك. وهناك من يحررها بالتريض وإن في البيت، وهناك من يستسلم لشهواتها… أثارني، وهو على كل حال ليس أمرا متعلقا فقط بهذا الحجر، لجوء بعض الفايسبوكيين الرجال إلى نشر صور نساء (عارضات أزياء وممثلات وغيرهن) في أوضاع وبملابس -أو دونها- مثيرة. منذ سنتين تقريبا وإثر سلسلة صور ”فنية” عرضها صديق تحتفي بأجساد النساء، انشغلتُ بالبحث عن المقابل. بالنسبة لي كامرأة لها ميول غيرية، ألاحظ طبعا جمال تلك الصور الفني إن وجد، ولكنها لا تكون مثيرة بالنسبة لي. فكرتُ، لماذا لا تنشر النساء (مهما علا مستوى “تحررهن”) صورا مثيرة لرجال؟ هناك أمثلة موجودة طبعا لنشر صور لبعض الممثلين ولكنها غالبا تكون صور “محتشمة” مقارنة بما ينشر لأثداء النساء مثلا. هذا الحجر الأخلاقي والفكري الذي تخضع له النساء في التعبير عن إعجابهن وما “يثيرهن”، يوضح مدى قوة القيود الاجتماعية التي تخلق الفوارق بين النساء والرجال. وأنا أبحث عن صور “فنية” لأجساد رجال، أثار انتباهي أن أغلبها يبرز العضلات ورموز القوة فيها. الرجل أيضا ضحية صور نمطية، كأن لا يُشتَهَى إلا قوياً (ما هو مفهوم القوة على كل حال؟).
في هذا الحجر أيضا، تابعتُ ما نُشِر من إيجابيات الزواج في الغالب من عزاب رجال، كأن النساء لا رغبة لهن وكأنهن لا يُسْتَثرن. من محاسن هذا المقام في ليون، أنني تخلصتُ بقدر كبير من ثقل التحرش الجنسي (يجبُ أن أكتبَ عن هذا الشعور المستجد في وقت ما). لقد أصبح أخيرا الشارع مكانا شبه آمن. هذا الفايسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، ما يزال يحبل بصور تعبر عن جوع فكري ونقص أخلاقي. تُردد عزيزةٌ علي: لا نتحرشُّ نحن النساء لأننا على عكس الرجال تعلمنا أن نتحكم في غرائزنا. في هذا الحجر حيث ارتفعت نسب العنف ضد النساء في كل أنحاء العالم، يبدو لي أن مقاومته يجب أن تبدأ بوعي النساء بقيودهن. القيود التي حولنها إلى أساور وإكسسوارات للزينة وللافتخار..

***

سيكون من المخجل أن نذكر أننا نجونا من هذا الوباء للأجيال القادمة. ماذا سنخبرهم؟ أننا نجونا لأننا اختبأنا مثل نمل يهرب من شتاء قارس، دخلنا سباتا لمدة شهرين تقل أو تزيد. هذا الحجر السُّبات، لا يتيح لنا فرصة لندعي البطولة… في الحقيقة هناك بطلات وأبطال لهذه المرحلة. لكنهم أبطال من طينة أخرى. أبطال التفاصيل الملتصقة بالبقاء على قيد الحياة: الصحة والتغذية وضمان النظام العام. وهم أبطال مهملون وهامشيون في الأوقات العادية. كيف يمكننا أن ننجو من هذا الوباء بلا كل العاملات والعاملين في القطاع الصحي؟ هل يكفي أن نشكرهم وإن بالعلاوات في إعادة الاعتبار لهم ولكل المهن التي تهتم بالسلامة الصحية والفكرية للإنسان؟ في عالم مثالي، كنت أود أن أحترف مهنة الكتابة فقط. هذا الهدف/الحلم المستحيل، يبدو تافها الآن. من يمكنني أن أنقذ بالكلمات التي أرصها؟ جدتي كانت معالِجة وقابْلة، يذكرون أنها عالجت وأنقذت الكثير من الناس، ويمكنني أن أشهد أنها كانت قابلة قادرة على تدبر أصعب الحالات إذ شهدتُ (خلسة وفضولا) إحداها. فقط في المساءات التي كانت تطول من ترقبنا، كانت تتحول إلى حكاءة ماهرة. وإذ أفكر في الأمر الآن، أكتشف أن تلك الحكايات ساهمت في إنقاذي أيضا، تماما مثل تلك التميمات والوصفات التي كانت تعدها لي إذ أمرض. أظنني منذ طفولتي، أعاني من صعوبة في النوم، وحتى عندما لم تكن جدتي تحكي لي حكاياتها، كنت أسترجعها لكي أقاوم خوفي من الظلام وانتظار النوم. لاحقا تخطيتُ خوفي من الظلام، ولكن بقيت الحكايات ترافقني في فترة النعاس. يبدو لي أن أول
دروس تلقيتها هي حكايات جدتي.. هذا لأقول إن التعليم أيضا يبقي الإنسان كائنا متفردا عاقلا ومتعاطفا مع أفراد جنسه ومع باقي الكائنات… المساءات باردة هنا.
أغلقت النافذة قبل قليل. أنا مترددة قليلا الآن: هل أقرأ أم أكتب؟
* قاص مغربي

Related posts

Top