نصوص مغربية وعالمية من أدب الوباء

واكب الإبداع الأدبي في مختلف مراحله الزمنية، المحطات الكبرى التي تمر بها البشرية، ومن بين هذه المحطات بطبيعة الحال، الوباء أو الجائحة، وما ينتج عنها من جوانب سلبية وإيجابية كذلك. في هذه النصوص نجد الذات والمجتمع في صراع مع عدو غير مرئي، وتلك هي سر قوته وطغيانه. من خلال حلقات هذه السلسلة إذن، نقف على عينة من النصوص الإبداعية المغربية والعالمية ومدى تفاعلها مع الوباء، حاضرا وماضيا على حد سواء.

< إعداد: عبد العالي بركات

الحلقة 11

دوموا بخير

< بقلم: الزهرة رميج *

اليوم أكملت خمسة عشر يوما من الحجر الصحي لم أشعر خلالها بالملل ولا بالضيق لأني من جهة أحب عادة البقاء في البيت حيث أشعر بالراحة والطمأنينة، ومن جهة أخرى لأن التزام البيت في هذا الظرف واجب علينا جميعا لنحمي انفسنا ونحمي مجتمعنا من الفيروس. ولم يكن الواجب بالنسبة لي يوما ثقيلا.
ما أعاني منه حقيقة، هو عدم القابلية للقراءة والكتابة وعدم التركيز. وهذه الحالة تنتابني كلما كان فكري مشوشا. بدأت كتابا قبل أسبوع ولم أكمله بعد،
علما أني لا أتحمل عادة ترك الكتاب قبل إنهائه.
قد أنهيه في يوم أو يومين أو ثلاثة أيام حسب حجمه. الكتاب الذي لا يشدني بقوة منذ البداية، أتركه في الحال. قليلة هي المرات التي أكملت فيها كتابا لم يمتعني.
أقضي معظم الوقت ما بين متابعة أخبار كورونا والاستماع إلى خطابات رؤساء الدول والحكومات، والحوارات مع الأطباء المتخصصين في الأوبئة والفيروسات حول كورونا وكيفية الوقاية منه؛ وبين الطبخ والتنظيف. فأنا من الفئة العمرية التي يستهدفها فيروس كورونا “الحكار” اللعين (من الحكرة) والتي يفرح الشباب الغربي لهلاكها، ويستثقل صندوق التقاعد المغربي طول عمرها.
ولأني واعية بهذا الواقع، فإني أحرص على تحضير الأكل المتوازن ومنقوع الأعشاب لتسخين الجسم وحمايته من البرد محاولة مني لتقوية مناعتي.
غياب مساعدتي في المنزل جعلني ألازم المطبخ بعدما أصبح الطبخ ضرورة لا رفاهية، وأحضر وجبات كانت قد دخلت طي النسيان. اليوم حضرت وجبة الكسكس لأول مرة بعد قرابة عشرين سنة!! كان كسكسا لذيذا صدقوني هههه.
تأكدت أن ما نتعلمه في صغرنا وشبابنا لا ينسى ابدا. تذكرت أمي هذا اليوم ودعوت لها بالرحمة. كان كسكسها لا يعلى عليه وما كان أبي العاشق للطعام اللذيذ يستلذ غيره. لذا لم تسمح لي يوما بتحضير الطعام لكنها كانت تجلسني بجانبها وتطلب مني أن أتعلم بـ “الشوف” كما تقول. وهكذا تعلمت بالنظر فقط، طريقتها في الطبخ وفي تقديم الوجبات بشكل أنيق.
وإذا كان نظام حياتي اليومي قد تغير مع الحجر الصحي، إلا أن عادة واحدة لم تتغير وهي مشاهدة الأفلام والفيديوهات ليلا. عادة اكتسبتها منذ تقاعدت قبل خمسة عشر عاما في إطار المغادرة الطوعية وأصبحت أخصص النهار للكتابة والليل للترفيه.
لذا، شاهدت خلال هذه الفترة مجموعة من الأفلام الجميلة في “نتفلكس” بعضها مهم وبعضها عادي. الغاية من مشاهدته تحقيق متعة النظر فقط وعدم
إرهاق العقل بالتفكير والتأمل. ومثل هذه الأفلام كثيرا ما كنت ألجأ اليها لإراحة تفكيري خلال الفترات التي أشتغل فيها على مشروع روائي يتطلب مني الكتابة اليومية لمدة تتراوح بين الست والتسع ساعات.
وقد سبق لي أن شاهدت كل الأفلام المصرية القديمة بالأبيض والأسود التي كانت “إسفلكس”
المأسوف عليها، تقدمها إلى جانب الأفلام الأجنبية المهمة.
كما شاهدت في اليوتوب أفلاما عربية لكبار نجوم السينما المصرية. وشاءت الصدف أن أعثر على حوارات كان التلفزيون المصري قد أجراها مع نجوم الفن والأدب، شاهدت منها حوارين أحدهما مع محمود عباس العقاد والثاني مع نجيب محفوظ. لقاءان رائعان وممتعان أنصح بمشاهدتهما.
وبما أن الرياضة ضرورية لتقوية المناعة ورياضة المشي هي المسموح لي بها، فإني أمارسها داخل بيتي إما في الشرفة أو في الصالون… نعم في الصالون!!! نتعلم من الدروس التي قدمتها لنا كتابات المعتقلين السياسيين ومن أفلام السجون والسجناء… وهي في الحقيقة عادة اكتسبتها منذ التقاعد والتفرغ التام للكتابة.
مزاجي هذا المساء رائق جدا لا أعرف لماذا. ربما لأن وجبة الكسكس كانت ناجحة ونالت إعجاب ابني العاشق كجده للطعام اللذيذ، والذي أمطرني مدحا وحبا، أو لأن اتصالا هاتفيا من صديق عزيز ونقاشا ممتعا معه فك عني عزلتي، أو لأن أحد القراء بعث لي رسالة مؤثرة يسأل فيها عن أحوالي ويطلب من الله أن يحميني من الفيروس، أو إحضار أحد أصدقاء ابني يعمل في إحدى المناطق القروية خارج الدار البيضاء قفتين ممتلئتن بكل ما نحتاجه من خضر، أو أن كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تحسين مزاجي.
وأنا اتاملها وجدت أن العامل المشترك بينها هو الحب. الحب هو صانع المعجزات في زمن الفيروسات.
فلنحب بعضنا أكثر، فاكثر. ولنعبر لبعضنا البعض عن هذا الحب.
أحبكم جميعا أصدقائي، صديقاتي.
دوموا بخير.

Related posts

Top