عندما يصبح منتخب رهينة…

“حنا دائما تحت الضغط.. ما تعرفش الجزائر خويا ؟”، كان هذا جوابا مقتضبا، عن سؤال طرح من طرف صحفي جزائي، وجه مباشرة للمدرب جمال بلماضي، خلال الندوة الصحفية التي سبقت مباراة “الثعالب” ضد موريتانيا.
قالها وملاحمه توحي بانفعال داخلي، وما يعيشه من ضغوطات رهيبة، مرر يده على وجه، طأطأ رأسه لبعض الوقت، وأكمل…
ما عبر عنه بلماضي هو تصرف تلقائي، تحول سنة 2019 كمتوج بالتاج الإفريقي إلى بطل قومي، تمارس عليه الآن كل أنواع الضغط والتعذيب النفسي…
فقد حولت الطغمة العسكرية المتسلطة على رقاب الشعب الجزائري الشقيق، منتخب كرة القدم، إلى رهينة وإلى ورقة تستعمل، بمختلف الواجهات، فهو وسيلة لإسكات الأفواه داخليا ومنبر للإلهاء وتحويل الأنظار عن المشاكل الداخلية، كما تحول كذلك إلى ورقة لمواجهة خصم، لا يوجد إلا بمخيلة من يتحكمون برقاب بلد المليون شهيد…
وضع منتخب “محاربي الصحراء” تحت الضغط، حملوا أفراده ما لا طاقة لهم به، يسعون إلى تغيير مهنة اللاعب، من ممارس محترف لكرة القدم، ويبدع فوق أرضية الملعب، إلى مجال آخر لا علاقة به، بل مواجهة الأعداء وتحقيق نتائج تسكت الأفواه، والوصول إلى مستويات تثبت قيمة ما يصطلح عليه عندهم بـ “القوة الضاربة”…
هذيان بالمطلق سيطر على المشهد إلى درجة أن هذا اللاعب، اختار الدفاع عن قميص بلده الأصلي، ليس طمعا في المال أو الشهرة، أصبح يجد صعوبة بالغة في دخول أرضية الميدان، إلى درجة انه فقد حتى الرغبة في خوض المباريات…
كل هذا الهذيان وجد -للأسف- من يروج ويدافع عن نظرياته، إنهم مجموعة من الصحفيين ممن زاغوا عن شرف المهنة، بل منهم من تحول إلى بوق للكابرانات، يكذب كما يتنفس، يحول المعطيات، بدون دلائل أو معطيات دامغة، إلى خانة التآمر الخارجي وحرب الكواليس والتخطيط المسبق، وغيرها من الأوهام المعشعشة، داخل مخلية وتفكير صحفي يستغل انتشار قناة محترمة لنفت السموم وزرع نار الفتة بين الأشقاء.
في إحدى البلاطوهات البئيسة التي سبقت المباراة التاريخية ضد موريتانيا، طلب المنشط تعليقا من ضيوفه، بخصوص صورة ولد يحيا رئيس الجامعة الموريتانية، وهو يتابع مباراة للمنتخب المغربي إلى جانب “معذبهم” فوري لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، من حسن الحظ أن الحضور لم يسايره، إذ قالوا له كفى من توجيه الأمور في اتجاه غير صحيح، فالفارق بين المنتخبين الجزائري والموريتاني كبير جدا، وهذا ما يفرض تأكيده فوق أرضية الملعب وكفى، أما إذا حدث العكس، فهذه الطامة كبرى…
الطامة الكبرى هي التي حدثت بالضبط، كانت الخسارة كبرى ومذلة، إقصاء مر وخروج من الباب الضيق، دون تحقيق ولو فوز واحد بمجموعة اعتبرت منذ البداية من أسهل المجموعات، بعد أن ضمت كلا من أنغولا وبوركينافاسو والشقيقة موريتانيا…
تراجع مهول لمنتخب كان إلى حدود الأمس القريب مفخرة حقيقية بفضل عروضه وأدائه المبهر، حقق نتائج في المستوى، وكان يمكن أن يحافظ على توازنه، إلا أن القطار زاغ عن السكة، بعدما تم استهدافه من الداخل، وتم تحويل طريقه نحو متاهات الحسابات السياسية الضيقة، واستغلال نتائجه للترويج لأجندات معينة، وخدمة أطماع ترفضها الرياضة، كما يرفضها العقل السليم…
قلوبنا مع جمال بالماضي الإنسان المحترم، والمدرب الكفء، قلوبنا أيضا مع لاعبي المنتخب واحد واحد، وخاصة المتألق رياض محرز العاشق الوفي لمدينة مراكش أيقونة السياحة المغربية…
“هارد لك” والمسار ما يزال أمامكم طويلا داخل عالم الاحتراف الأوروبي المقدر للمهنة والمفعم بالإنسانية والمحترم للاعب كإنسان وليس كدمية…

>محمد الروحلي

Top