مصر… إلى أين؟

اللحظة الحساسة التي تعيشها مصر اليوم مفتوحة على كل الاحتمالات، ومع حلول فصل الصيف تجد الثورة التي أسست للربيع الديمقراطي في المنطقة العربية نفسها وهي لم تقدم بعد كل أجوبتها، ولم تحقق للبلد لا الاستقرار، ولا السير الطبيعي لمؤسسات الدولة، كما لا زال الشعب المصري يضع الأيدي على القلوب خشية القادم من الأيام والأحداث.
لقد ذهب المصريون أمس وأول أمس لمراكز الاقتراع من أجل الاختيار بين شفيق ومرسي برسم الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، وفي نفس الوقت دخلت البلاد معركة أخرى طرفاها المجلس العسكري والإخوان المسلمون، وذلك على خلفية قرار المحكمة الدستورية القاضي بحل البرلمان المنتخب أخيرا، ومن ثم حل الجمعية  التي شكلت من طرفه لإعداد الدستور، وهذه المعركة ستواصل فرض تداعياتها على الساحة السياسية والمجتمعية في البلاد خلال الفترة المقبلة.
الجدل الفقهي والقانوني، وأيضا الصراع والتأويل السياسيان بين الأطراف داخل مصر مشتعل هذه الأيام، لكن ما يحصل يثير اهتمام المراقبين خارج البلد أيضا.
كل الأطراف الرئيسية في المشهد المصري معنية ومسؤولة اليوم عن المستقبل، ولعل الجيش، من خلال المجلس العسكري، أبرز المعنيين، حيث البلاد اليوم كلها تجد نفسها أمام سؤال العلاقة بين العسكر والسياسة، ودور مؤسسة الجيش في قيادة البلاد نحو الاستقرار، ونحو حياة سياسية مدنية ترتكز على الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والمساواة. وللنجاح في هذا الدور، فإن المجلس العسكري مطالب بتأمل أدائه العام طيلة المرحلة التي تلت الثورة، وخصوصا تفادي الارتباك في القرارات، والتدخل في التوقيت الخطأ، وهنا التجربة الجزائرية في التسعينيات لا زالت حاضرة في بال الكثيرين، ويمكن أن تفيد المصريين اليوم.
ومن جهة ثانية، فإن الإسلاميين الذين تصدروا نتائج الانتخابات البرلمانية وبقي مرشحهم مرسي منافسا في الدور الانتخابي الثاني للجنرال شفيق على مقعد رئيس الجمهورية، مطالبون هم أيضا باستحضار دقة المرحلة، وخطورة التحديات المطروحة على مستقبل البلاد، ومن ثم إعمال الواقعية في مقاربتهم السياسية للأحداث والتطورات، وجعل مصلحة البلد فوق الحساب الانتخابي..
وفي مقابل الطرفين المشار إليهما، فإن باقي الأحزاب السياسية، وخصوصا القوى المدنية والديمقراطية والتقدمية المصرية مدعوة هي كذلك لتأمل اللحظة التاريخية التي تحياها بلاد النيل ومحيطها القريب، والانتقال بعملها السياسي إلى مرحلة التوحد والتكامل، والسعي لتشكيل بديل ديمقراطي قوي في البلاد يرتبط بالشارع المصري و… بالعقل، فضلا على أن الشباب المتظاهر في الشوارع والميادين والساحات يجب أن يكون داعما للديمقراطية وللقانون ولدولة المؤسسات ولقيم التعددية والانفتاح في مصر.
مصر هذه الأيام توجد إذن في عنق الزجاجة، ومن مسؤولية الأطراف المذكورة كلها الانكباب على صنع اتفاقات وطنية واسعة، والإقرار بأخطاء الجميع، والسير في اتجاه إقناع العالم أن المصريين، العسكر والإخوان، قادرون على تحمل المسؤولية التاريخية، ومنح بلادهم الأمن والاستقرار، والعمل معا من أجل مستقبل أحسن لشعبهم.
[email protected]

Top