ملف يسائل الجميع

الملف الذي أصبح يعرف بـ «ملف توفيق الإبراهيمي ومن معه» يستدعي اليوم الانتباه إلى عديد أشياء بعيدة عن التفاصيل القانونية التي ينكب عليها القضاء وحده.
البلاغ الصادر عن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط أفاد بأن قاضي التحقيق أمر بوضع ستة أشخاص رهن الاعتقال الاحتياطي (مسؤولون سابقون وأطر وموظفون بشركة الملاحة التجارية كوماناف)، وذلك للاشتباه في تورطهم في ارتكاب جرائم تكوين عصابة إجرامية للإعداد لتخريب منشآت موانئ وبواخر والمس بسلامة أمن الدولة والمشاركة في عرقلة حرية العمل والمشاركة في إفشاء السر المهني.
الأمر يتعلق إذن بمسؤولين تولوا مناصب هامة على رأس مؤسسات  كبيرة، ولم يترددوا مع ذلك في السعي للمس بسلامة أمن الدولة، واستهداف مصالحها الاقتصادية لفائدة أطراف خارجية، كما أنهم لم يترددوا في وضع اليد على وثائق ومعطيات تهم الإدارة المغربية ومنحها لأطراف خارجية مقابل منافع ذاتية آنية أو مستقبلية.
هنا تتجلى خطورة ما يحيط بهذا الملف، وهذا يسائل نخبتنا الاقتصادية والإدارية في العمق، دون أن يعني هذا أي تعميم أو اطلاقية فجة، لأن مئات الكفاءات الإدارية والتدبيرية والعلمية موجودة فعلا وسط شعبنا، وتتحلى بالكثير من المهنية والمصداقية والغيرة على المصالح الوطنية.
المناسبة تفرض اليوم الانكباب على إحكام منظومة متكاملة للحكامة الجيدة على صعيد مختلف مؤسسات وإدارات البلاد، وتفعيل نظام للتتبع والمراقبة، وأيضا للنزاهة ومحاربة الفساد، علاوة على أهمية تثمين ما تتوفر عليه البلاد من أطر عليا وكفاءات في مختلف التخصصات، وتقدير جهد النزهاء منهم.
من جهة ثانية، فإن  جديد الملف أيضا يكمن في وجود نقابيين ضمن الستة المعتقلين احتياطيا، وقد قال بلاغ الوكيل العام بأن النيابة العامة توصلت بمعلومات حول قيام بعض الأشخاص بأعمال مخالفة للقانون من شأنها المس بسلامة أمن الدولة الداخلية والإضرار بالمصالح الاقتصادية الوطنية، كما أضاف أن ما ارتكب من أفعال من لدن هؤلاء الأشخاص كان في سبيل خدمة مصالحهم الشخصية ومصالح أشخاص وشركات أجنبية منافسة.
ننتظر إذن ما سيفضي إليه العمل الذي باشره القضاء بخصوص هذا الملف، ونتطلع كي يسير التحقيق إلى نهايته، وفي نفس الوقت نؤمن أن وجود بعض النقابيين ضمن الملف لا يمس المركزيات النقابية في شيء، بل يطرح عليها ربما مهام أخرى مستقبلا على مستوى تعميق اطلاعها على الملفات، وعلى مستوى تخطيط مبادراتها النضالية والاحتجاجية المشروعة، وفي المواقف التي تعبر عنها وتتبناها.
لكن في المجمل، يطرح الملف، فضلا عن الجوانب القضائية والقانونية، رسائل لا تخلو من أهمية تتعلق بالنخبة الاقتصادية والإدارية، وتسائل الفاعلين النقابيين، وأيضا الدولة، وعلى كل الأطراف أن تستخرج الخلاصات الضرورية.

[email protected]

Top