مصر: تحديات المرحلة الجديدة

تتوالى ردود الفعل بشأن انتخاب الاخواني محمد مرسي رئيسا جديدا لمصر، وهي في الإجمال تتراوح بين الترحيب وإبداء المخاوف من التوجهات المستقبلية التي ستسير فيها البلاد على عهده.
بداية، يسجل أنه لأول مرة تختار مصر رئيسا غير عسكري، وذلك منذ 1952، كما أن النتيجة تحققت نتيجة مسلسل انتخابي طويل، عرف تدافعا سياسيا حادا، والمؤشرين معا يمثلان تحولا بارزا في التاريخ المصري، كما أنهما يحيلان على التحدي الأول المطروح اليوم على العهد الجديد، وهو جعل ما حدث بداية بناء لمؤسسات الدولة، وذلك من خلال الاعتراف الجماعي أولا بشرعية المسلسل الانتخابي، وبشرعية النتيجة التي أسفرت عنه، وأيضا من خلال انخراط الرئيس الجديد نفسه، بمعية مختلف أطراف المجتمع، في مسلسل لترسيخ المصالحة الوطنية.
في مقابل هذا التطلع، فان الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري قبيل إعلان مرسي رئيسا للبلاد، فضلا عن معضلة أداء اليمين المطروحة اليوم، وحل البرلمان، كلها تضع مرسي وقيادة الجيش أمام أول امتحان، ومن شأن الفشل فيه، أو  اللجوء إلى التصعيد بشأنه أن يفتح الباب نحو أول أزمة سياسية قد تعصف بكل ما تحقق لحد الآن.
الخطاب الأول الذي ألقاه الرئيس الجديد تضمن الكثير من الرسائل التصالحية، ما يوحي بتوجه الإخوان إلى ممارسة تصالحية  خصوصا مع المؤسسة العسكرية.
أما التحدي الثاني المطروح اليوم أمام الرئيس المصري الجديد، فيتعلق بالالتزامات التي سبق أن  أعلن عنها تجاه القوى السياسية الأخرى، وأساسا تجاه شباب ميدان التحرير، وهو اليوم مطالب بتجسيدها في أولى قراراته المتعلقة بتعيين رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، ومن ثم الشروع في التأسيس لتوافق وطني واسع في البلاد.
وصلة بما سبق، فان التحدي الثالث مطروح على البلاد برمتها، ويتعلق بتأسيس مسلسل انتقال ديمقراطي بمشاركة الجميع، وذلك في ربط جدلي بين تحقيق أهداف الثورة ومواصلة تثبيت وتقوية مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار والمصالحة والأمن.
ومن خارج مصر، يتطلع المراقبون  للمآلات التي سيقود إليها وصول الإخوان في مصر لمقعد  رئاسة الجمهورية، وبالرغم من أن  كثير تباينات تمنع من توقع استنساخ النموذج التركي، كما أن السياقات الحالية تقلل من مخاطر تكرار النموذج الخميني، فان السياق الحالي، مع ذلك، لا يقدم نموذجا واحدا في بلدان الربيع الديمقراطي، ففي تونس لازالت كثير ارتباكات متواصلة، وان كانت أقل خطورة مما يحصل في ليبيا مثلا، أو حتى مما يتواصل إلى اليوم في اليمن، ثم هناك التجربة المغربية أيضا، وبالتالي فان مصر مدعوة اليوم لتقديم نموذجها الخاص بما يؤمن لشعبها الأمن والاستقرار وإطلاق دينامية التنمية…
وبصفة عامة، فان ما يجري في مصر، وما حدث في بلدان عربية أخرى، ينبئ بإعادة رسم موازين قوى جديدة في المنطقة على ضوء ما ستؤول إليه المسارات الديمقراطية الداخلية، وأيضا العلاقة مع الأحداث والاستراتيجيات الإقليمية والدولية.
[email protected]

Top