سياسة المدينة

يقام اليوم في الرباط الملتقى الوطني حول سياسة المدينة، في إطار الحوار الوطني والتشاوري الواسع الذي تقوده منذ مدة وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وستتميز هذه التظاهرة اليوم بمشاركة مسؤولين حكوميين ومنعشين عقاريين ومهنيين وخبراء، بالإضافة إلى منتخبين ونشطاء مدنيين ومثقفين وفنانين، وسينكب الجميع على بحث وتحليل البرامج والسياسات الموجهة للمدينة، ودراسة مضامينها، وأيضا المنظومة الإجرائية والتدبيرية الخاصة بالتنفيذ.
المدينة اليوم تعني نمط عيش، وتعني البنيات والتجهيزات، وتعني العلاقات، وتعني الثقافة والفن والبيئة والمعمار، ولذلك، فان أسئلتها وانشغالاتها تعني مختلف القطاعات الحكومية، وأيضا القطاع الخصوصي ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والساكنة، ومن ثم، فان صياغة الأجوبة تقتضي انخراطا إراديا جماعيا من طرف الكل، والسعي لتكون مدننا بالفعل حواضر للتقدم.
من دون شك، سيكون للجوانب التقنية حضورها في المناقشات والتحاليل، لكن السياق السياسي والمؤسساتي لبلادنا سيفرض بدوره نفسه، وسيحتم استحضار قضايا الجهوية واللامركزية في كامل منظومة التخطيط والبرمجة، إلى جانب الارتكاز إلى كون التقدم هو شمولي ومتعدد المجالات، أي أنه يقوم على الإنسان أولا وقبل كل شيء، وبالتالي، فان المدينة يجب أن تكون جاذبة للإنسان، وتتيح له التقدم وتحقيق مختلف مطالبه وحاجياته.
في السياق نفسه، فان المدينة تحيل منطقيا على التقدم وعلى العصرنة، أي على الحداثة، ومن ثم فهي مرتبطة جدليا بالتصور المجتمعي العام، وأيضا بضرورة تكريس نمط عيش وأسلوب حياة يقومان على الانفتاح وعلى التسامح، فضلا على أن كثير حاجيات يطالب بها سكان المدن، باتت اليوم ضمن الالتزامات الدولية مثل الحقوق البيئية، وما يرتبط بالحق في الماء، ومواجهة التلوث، وحقوق أخرى تعني الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم.
المدينة إذن هي حاملة لقيم، وتجسد وفاء الدولة بكثير من الالتزامات تجاه مواطناتها ومواطنيها، كما أنها تمثل فضاءات  حياة تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص، وتكرس الانفتاح والتحديث والتقدم.
في بلادنا اليوم، تعاني مدننا من كثير تجليات النقص والاحتياج، ولدى الساكنة مطالب واحتياجات تتعلق بالسكن والتشغيل والتعليم والصحة وباقي الخدمات الأساسية، وهو ما يفرض إحكام التخطيط بما يوازن بين اكراهات النمو الحضري، ومستلزمات التنمية المستدامة، ويحتم أيضا معالجة الاختلالات الحضرية المعروفة في مختلف مناطق المملكة، وجعل الإنسان هو الهدف والغاية، ثم تمتين التعبئة الجماعية حول منظومة سياسة المدينة.
ولمواجهة  الاكراهات والمطالب المذكورة، فان البعد السياسي أيضا له أهميته، حيث أن المجالس المنتخبة في حاجة إلى كفاءات ذات تكوين ومهارات، وتتحلى بالمصداقية السياسية والأخلاقية، كما أن مسؤولي الإدارة الترابية في المدن والمناطق يجب أن يتملكوا ذات المصداقية والتكوين، فضلا على أهمية تقوية دولة القانون في مختلف المجالات، وتمتين الشفافية والحكامة الجيدة ومحاربة الفساد، وذلك بما يعطي للبرامج والمخططات معناها العملي والملموس على الأرض، ويساهم في تعبئة الساكنة وجعلها حريصة على تقدم مدنها ومساهمة في النهوض بها.
[email protected]

Top