الدار البيضاء

اللقاء الذي دعا إليه «فضاء الأطر» التابع لحزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، السبت الماضي، وخصص لتدارس قضايا العاصمة الاقتصادية للمملكة، مثل لحظة تفكير عميقة أسس لها أطر وخبراء الحزب في تفاعل مع مختصين وشخصيات من مجالات معرفية ومهنية متنوعة حضرت اللقاء، وقد جسدت المبادرة بالفعل مجهودا اقتراحيا لا تقدر عليه إلا الأحزاب الحقيقية والجدية. إن الاهتمام بالدار البيضاء في هذا اللقاء يعود لكون قضايا المدينة لم تعد شأنا محليا يهم ساكنتها ومنتخبيها فقط، وإنما هي شأن وطني يرتبط بمستقبل البلاد ككل، ذلك أن الدار البيضاء هي أكبر مدن المغرب، وهي القطب الرئيسي للمملكة لمواجهة تحديات العولمة، ولربح رهان الانفتاح على الأسواق العالمية، كما أنها الواجهة الحداثية للمغرب.
لقد شهدت المدينة اليوم توسعا عمرانيا عبر مسار نموها، وصارت الفضاء الذي تتجمع فيه الوظائف والأنشطة الاقتصادية، وباتت إذا أصيبت بالزكام ارتعدت جراء ذلك فرائص المغرب كله، وقد أفرزت هذه الوضعية اليوم اختناقا سكانيا ضخما، نتج عنه أيضا اختناق مروري كبير، وغابت المساحات الخضراء وممرات الراجلين، وصارت العشوائية تطبع كثيرا من تجليات التطور في المدينة، بالإضافة إلى بروز كثير اختلالات أخرى في مجالات مختلفة.
وحيث أن حزب التقدم والاشتراكية عرف عنه باستمرار الانشغال الدائم بمستوى عيش السكان وبواقعهم الاجتماعي والاقتصادي، فقد كان طبيعيا التركيز كذلك على اتساع الفساد على صعيد المدينة، وتنامي المشاكل ومعاناة الناس جراء ذلك، بالإضافة إلى تدني الخدمات الجماعية وشلل كثير من مشاريع التنمية المحلية، كما توقف الخبراء المشاركون في اللقاء عند ضعف نسبة المناطق الخضراء في المدينة، حيث أن كل بيضاوي لا يتوفر سوى على نصف متر مربع منها، علما أن معايير منظمة الصحة العالمية تنص على 12 مترا للفرد، وهذا الواقع يؤثر، بحسب الخبراء، على جودة الهواء في المدينة، ومن ثم على مستوى عيش الساكنة وصحتها العامة.
إن أوضاع الدار البيضاء تتطلب اليوم تفكيرا جماعيا عميقا من لدن كل المتدخلين، وأساسا من طرف الدولة على الصعيد المركزي، وذلك من أجل اختبار البرامج والمخططات وتنفيذها، وتقييم الأشكال والصيغ والمنظومات ومستوى نجاعتها على الأرض، وقد دعا المشاركون في لقاء أطر حزب التقدم والاشتراكية السبت الماضي إلى اعتماد سياسة حضرية مبنية على رؤية إستراتيجية متعاقد حولها، محددة الأهداف والوسائل، بالإضافة إلى إرساء قواعد حكامة ناجعة تضمن الالتقائية والتكامل والفعالية بين مختلف التدخلات، كما شددوا على ضرورة إيلاء أهمية خاصة للقضايا المطروحة على المدينة في مجالات السكن والتعمير وفرص الشغل والنقل الحضري والتجهيزات الأساسية، وإعداد التراب ومتطلبات التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف العيش والخدمات العمومية التي تعني الساكنة.
لقد أطلق أطر حزب التقدم والاشتراكية، من خلال ندوتهم حول الدار البيضاء، نداء العقل، وطالبوا بإنقاذ الدار البيضاء وأهلها من الوضع المأزوم الحالي، ونبهوا إلى أن مدينة بهذا الثقل الوطني والاستراتيجي لا يجب أن تترك رهينة بين أنياب لوبيات من «شناقة» الانتخابات، وسماسرة الأراضي والعقار والمصالح، ما يهدد العاصمة الاقتصادية للمملكة بـ «السكتة القلبية».
[email protected]

Top