الشرطة

كثرت هذه الأيام الأخبار المتعلقة بتورط عناصر من أجهزة الأمن، وأيضا الدرك، في قضايا معروضة أمام القضاء، وذلك إما في ملفات ذات صلة بالتهريب أو تجارة المخدرات أو التستر على أباطرة هذه الأعمال الإجرامية مقابل عمولات ورشاوى، وتأتي هذه الأخبار بالمانشيطات البارزة والتفاصيل الطويلة العريضة على أعمدة كثير من صحفنا لتضاف إلى كل ما قيل وكتب عن فاجعة  بلقصيري وغيرها، وكل هذا التركيز صار مثيرا للانتباه في الفترة الأخيرة. ليس القصد هنا الدعوة إلى جعل عناصر الأمن فوق القانون، أو تمتيعها بنوع من(الحصانة)يجعلها تمارس ما يحلو لها من دون أية محاسبة، ولكن القصد أن المبالغة في التركيز الإعلامي(الفضائحي)بلا أي احتراس أو تمحيص، يحمل بدوره كثير مخاطر تجاه قطاع لا تخفى حساسيته، وأيضا أهمية الأدوار الموكولة إليه.
في فاجعة بلقصيري يجب تطبيق القانون بصرامة، وفي ملف ولد الهيبول الجارية أطواره في المحكمة لابد أيضا من السير إلى النهاية وفق مقتضيات القانون، وكذلك بالنسبة لباقي القضايا والملفات المعروضة على المحاكم حاليا، ولكن ضمن كل هذا لابد من استحضار وجود فئات واسعة داخل أجهزة الأمن والدرك تحترم نفسها وطبيعة مهنتها، وهي ليست بالضرورة كلها فاسدة ومرتشية، وليس(أولاد عبد الواحد كلهم واحد)، وبالتالي، فان العاملين في هذه الأجهزة يحتاجون اليوم إلى رفع معنوياتهم، والى تعزيز إجراءات صيانة كرامتهم وحماية حقوقهم.
لقد سبق أن نبهنا هنا، تعليقا على فاجعة بلقصيري، إلى أن الدرس الواجب استخلاصه هو ضرورة تفعيل مقاربة شمولية للنهوض بالأوضاع المادية والاجتماعية للعاملين في قطاع الأمن، وخصوصا من ذوي الرتب الدنيا والمتوسطة، وأكدنا على أهمية المواكبة الاجتماعية، وأيضا السيكولوجية لهذه الفئة من موظفي الدولة، والتي يندرج كثير من أفرادها ضمن حملة السلاح بكل ما يعنيه ذلك من خصوصيات مهنية ونفسية وإدارية، واليوم لا تزيد كل القضايا المثارة في هذا المجال إلا تأكيدا لحيوية هذه المطالب واستعجاليتها.
وفي السياق نفسه، فان تجويد الحكامة الداخلية في القطاع، وتمتين آليات التواصل المؤسساتي في أوساط هياكل مديرية الأمن ووحداتها الترابية، وتفعيل التكوين والتكوين المستمر، وتقوية التخليق والشفافية من شانها إعادة الثقة للعاملين، وجعلهم يقبلون على مهامهم في اطمئنان نفسي وإداري واجتماعي، وضمن وعي كبير بالقانون وضرورة احترامه.
إن حماية أمن واستقرار بلادنا، وصيانة مصالح وسلامة مواطناتنا ومواطنينا تقتضي الانكباب على كل ما ورد أعلاه من أجل إعادة الاعتبار لموظفي الأمن، ومن أجل النهوض بأوضاعهم المادية والاجتماعية والإدارية والنفسية، وأيضا من أجل تأهيل المنظومة الوطنية العامة للقطاع، وجعلها منسجمة مع الزمن السياسي والمؤسساتي المغربي الجديد، ومع مقتضيات دولة القانون.
[email protected]

Top