تضامنا مع عصيد

يتعرض الكاتب والناشط الأمازيغيي الأستاذ أحمد عصيد منذ أيام لحملة تحريضية من طرف بعض رموز(التيار السلفي الأصولي)، بالإضافة إلى أقلام دينية ومحافظة أخرى، وهي حملة لا علاقة لها البتة بالاختلاف الفكري بين الطرفين، ولكنها حملة انبنت على التشنيع بالمعني بالأمر لمجرد تعبيره عن رأي له، وبلغ الأمر بعدد من هؤلاء المتطرفين إلى حد وصف الأستاذ عصيد ب(المجرم) و(عدو الله)واعتباره(غير مؤمن بالله وباليوم الآخر)، وهذا ما يجعل الطريق سالكا لوضعه ضمن من يجوز لأتباع ومريدي هؤلاء استهداف حياته وسلامته الجسدية.
مهما اختلف الكثيرون مع آراء عصيد، فهي في نهاية الأمر تندرج ضمن حقه المشروع في التعبير عن رأيه، ومن حق الآخرين مناقشته في ذلك بالحجة والدليل، وليس بالدعوة إلى مقاضاته، أو بنشر الإشاعات والتهم عنه.
وفي السياق نفسه، فان الموضوع الذي تطرق إليه عصيد، وكان ذلك في ندوة عمومية، لم يطرقه لأول مرة، كما أن باحثين آخرين سبق لهم الحديث عنه، ويتعلق الأمر بواقع تدريس المادة الدينية، وبضرورة جعل مضامين المقررات الدراسية منسجمة، من الناحية البيداغوجية والمنهجية والفلسفية، مع قيم حقوق الإنسان والحداثة والديمقراطية والمساواة، ومع مقتضيات المواطنة وأفكار هذا العصر، ومن المؤكد أن هذا يعتبر من المحاور الأساسية في إصلاح منظومتنا التعليمية، وهو لا علاقة له بأي استهداف للقيم الدينية لشعبنا، أو لرموزنا الدينية، بل إنه يجسد انشغالا تربويا جوهريا، وحاجة أساسية تروم تقوية وعي شبابنا وأطفالنا بالإسلام كدين للتسامح والحرية والانفتاح، وربط بعض الوقائع والحقائق الدينية بسياقاتها التاريخية تفاديا لإسقاطها التعسفي الأعمى على واقع اليوم.
وللتذكير، فان هذا الإسقاط الأعمى هو بالذات الذي جلب كل المصائب المعروفة، ومنها تفجيرات 16 ماي وغيرها، وعندما يجري الحديث اليوم عن ضرورة الانكباب على الإصلاح البيداغوجي لمضمون ما يدرس في مؤسساتنا التعليمية، فهذا يجسد تطلع بلادنا إلى جعل المدرسة المغربية منتجة للوعي، ولقيم العقل والانفتاح والحرية…
وكون بعض رموز التيار السلفي الأصولي المتطرف هم من يبادرون اليوم إلى الهجوم على الأستاذ عصيد، واستعمال قاموس منحط من مفردات السب والشتم في حقه، فهذا يعني أنهم لم يراجعوا شيئا في فكرهم ولا هم يحزنون، ومن ثم، تتأكد الحاجة إلى مزيد من الانتباه تجاه ما تعنيه مثل هذه الحملات الترهيبية من مخاطر على المستقبل.
من حق أحمد عصيد التعبير عن رأيه، وأن يطالب بمراجعة مضامين المقررات الدراسية، بما في ذلك المتعلقة بتعليم المادة الدينية، وليس من حق أحد منعه من ذلك، أو تهديد ه في حياته وسمعته وسلامته البدنية، وفي المقابل يحق لمن يختلف معه أن يناقشه في الأمر، وينتقده، ولكن ضمن شروط الحوار العلمي الهادئ والرصين، لأن مقتضيات الديمقراطية وحقوق الإنسان تتيح ذلك.
من أجل الدفاع عن الأفق الديمقراطي الحداثي لبلادنا، نتضامن اليوم مع الأستاذ أحمد عصيد، ونساند حقه المطلق في التعبير عن رأيه بحرية ومن دون أي تهديد.
[email protected]

Top