الدرجة الصفر في.. السياسة

المشهد السياسي الوطني بات كما لو أن بعض مكوناته الحزبية تغمض عيونها وتصم آذانها تجاه ما هو مطروح على البلاد من تحديات ومخاطر، وأيضا تجاه المطلوب منها هي من أدوار ومواقف، وتكاد الصورة المعروضة اليوم أمامنا جميعا تتلخص في كون البلاد التي عبرت تحدي الحراكات الشعبية بسلام، وأسست لدينامية سياسية ومؤسساتية متفردة على صعيد محيطها الإقليمي، تعاني اليوم من عجز بعض أطرافها الحزبية عن صيانة هذه الدينامية وتطويرها، وقيادة البلاد لربح كامل رهانات التنمية والتقدم.
ليست المشكلة فقط في غياب الفعل التأطيري في الميدان، ولا فقط في إنتاج الأفكار الكبيرة، أو في بلورة الخطاب والشعار، وإنما المشكلة الأساس باتت اليوم في تراجع… المصداقية.
لم يعد من المتيسر فهم معنى هذا الاصطفاف أو ذاك، ولم يعد واضحا الفرق بين حزب يشارك في الحكومة وآخر يوجد ضمن المعارضة، ولم يعد مهما لدى البعض تحديد معجم الكلام تجاه الخصم السياسي أو تجاه الحليف، وكل هذا قادنا في النهاية إلى الرداءة المعروضة أمامنا في سوق السياسة اليوم، وإلى كل هذا الانحطاط في التفكير وفي السلوك وفي… الكلام.
ما الغاية من كل هذا النزول المروع  في أخلاقيات السياسة ببلادنا؟ وإلى أين يصار بالبلاد؟
هل في هذا الذي يجري أمامنا اليوم معنى؟
فحتى لو سعينا إلى التنقيب في الانحطاط عن معنى، فإن في الكثير من تجليات الكلام والسلوك  المتربص بنا لا نعثر سوى على فجاعية… الخواء، في اللغة وفي الأخلاق وفي… السياسة.
كيف لا يصاب المرء بالدوخة عندما لا يخجل من ساهم في إيصال البلاد إلى الكثير من معضلاتها الحالية أن يطرح نفسه اليوم بديلا منقذا؟
كيف لا يصاب المرء بالدوخة عندما يقف من تلتف حول عنقه كثير فضائح وملفات، ورغم ذلك لا يتردد في «تخراج العينين» ويريد أن يقنعنا أنه المصلح الذي لم ننتبه جميعا إلى عبقريته؟
كيف لا يصاب المرء بالدوخة عندما يخرج علينا من يصرخ اليوم بالمساواة والحداثة، وهو الذي كان إلى زمن قريب جدا يحارب كل من ينادي بذلك ويسخر منه، بل وعارض حتى إدراج مقتضيات عادية على هذا المستوى في الدستور أو في بقية القوانين والنصوص والبرامج؟
بالإمكان أن نواصل هنا سرد المتناقضات العديدة التي تحفظها ذاكرة شعبنا، لكن سنتوقف عند هذا الحد لنؤكد أن المغرب لا يستحق فعلا كل هذه الدرجة الصفر من… السياسة.
البلاد في حاجة اليوم إلى طبقة سياسية متشبعة بالمسؤولية، وإلى زعماء وقادة سياسيين يقرنون القول بفعلهم وموقفهم وموقعهم، ولا يفرطون في مصداقية أحزابهم أولا وقبل كل شيء.
محزن هذا الذي يجري..
[email protected]

Top