الانفصاليون يعودون لأدوارهم

كما كان متوقعا، عادت العناصر المعروفة بارتباطها بالجبهة الانفصالية إلى أسلوبها المألوف في فبركة المظاهرات والوقفات في شوارع وأحياء العيون ومدن جنوبية أخرى، وذلك فور صدور قرار مجلس الأمن. ولقد جاءت المظاهرات المشار إليها مرة أخرى متزامنة مع وصول وفود حقوقية وبرلمانية أجنبية إلى الأقاليم الجنوبية، كما أنها شهدت إقحام أطفال، وتولى تأطيرها نشطاء معروفون، وهم لا يخفون أفكارهم السياسية المتناغمة مع مواقف جبهة تيندوف، كما أنها تميزت بمواجهة عناصر قوات الأمن، ما خلف كثير إصابات في صفوفهم، وأحيطت المناورة بكاملها بخطة دعائية بذات الأساليب والمفردات المعروفة من قبل.
واضح إذن، أن المظاهرات هي ذات طبيعة سياسية لا يمكن إخفاؤها، وواضح أيضا أن الهدف من ورائها كان هو استفزاز السلطات المحلية في الأقاليم الجنوبية، ودفعها، بمختلف الوسائل، إلى استعمال القوة، وبالتالي إظهارها أمام المنتظم الدولي كمسؤولة عن انتهاك حقوق الإنسان.
واعتبارا لذلك، نتمنى أن تنجح السلطات المغربية وقوات الأمن في تجاوز هذه المناورات، وتفادي الانجرار وراء مثل هذه الاستفزازات، وذلك بالإصرار على تقوية ممارسة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الأقاليم الجنوبية، على غرار باقي مناطق المملكة، وبالتالي مواصلة التقدم على طريق تعزيز الخيار الإصلاحي في البلاد، الذي يعتبر السلاح الأساسي لدى المغرب في مواجهة كل المتربصين به وبوحدته الترابية.
وفي نفس الوقت، لابد أيضا من التوجه إلى العالم بكامل الثقة في النفس، والتأكيد على أن حقوق الإنسان لا تعني فقط حرية الرأي والتظاهر، وإنما هي أيضا الأمن والاستقرار وحماية مصالح الناس وأعراضهم وسلامتهم، وهذه كلها حقوق للمواطنات والمواطنين على الدولة، ومن واجب السلطات التدخل والسهر على حمايتها ضمن مقتضيات دولة القانون والمؤسسات.
من جهة أخرى، فعندما يفتح المغرب أرضه ومدنه لكل المراقبين الأجانب للوقوف على واقع حقوق الإنسان، فلا يجب أن يكون ذلك مدخلا لـ «معاقبته» على انفتاحه، وإنما يجب النظر إلى الأمر باعتباره حرصا على الشفافية والوضوح، وثقة في النفس؛ وعلى الأوساط الحقوقية والإعلامية الدولية أن تلتفت أيضا إلى الواقع في مخيمات تيندوف، وتمارس نفس الأدوار الرقابية والبحثية بكامل الموضوعية والنزاهة.
على المتحكمين في مخيمات تيندوف إذن أن يتيحوا هناك حرية التحرك أولا، وعليهم تمكين قاطني المخيمات من كل ما يقتضيه وضعهم كلاجئين وفق القانون الدولي، ثم عليهم أن يقبلوا إحصاءهم من لدن مفوضية اللاجئين، ويضمنوا حرية التعبير عن مختلف الآراء السياسية…، وهذه كلها مطالب حقوقية طبيعية وبسيطة لابد للمناضلين الحقوقيين عبر العالم الضغط من أجل فرضها، بدل التركيز غير المحايد على تحركات نشطاء سياسيين همهم الرئيسي هو البروز الإعلامي، والحصول على التعويضات، ولو بواسطة فبركة الوقائع والصور والقصص.
ليس لدى المغرب عقدة في موضوع حقوق الإنسان، ولقد آن الأوان كي يضغط المجتمع الدولي على الطرف الآخر ليخوض بدوره التحدي، ويفتح المخيمات المغلقة أمام المراقبين والمنظمات الدولية، ويقبل على الأقل بإحصاء قاطني المخيمات، ومنحهم كافة الشروط والحقوق المجسدة لهويتهم كلاجئين.
[email protected]

Top