الشريف الكرعة المزارع ورئيس اتحاد الغرب لتعاونيات الحليب في حوار مع بيان اليوم:

قال المزارع ورئيس اتحاد الغرب لتعاونيات الحليب، الشريف الكرعة، إنه بالفعل أصبح هناك بفضل المخطط الأخضر اسطبلات إنتاج الحليب واللحوم الحمراء وتحسين نسل الأغنام والأبقار، وأن الأراضي أصبحت تتوفر على أحواض مائية، وأن العديد من الفلاحين أصبحوا يمتلكون جرارات فلاحية مدعمة، وارتفع عدد رؤوس الأبقار الأصيلة ما بين سنتي 2012 و2018.

واستطرد الكرعة، في حوار مع بيان اليوم، متسائلا عن الجدوى من هذه الإسطبلات اليوم بدون قطيع، والجدوى من أحواض الضيعات بدون ماء، ومن الجرارات المحملة بديون ثقيلة غير مؤداة، ومن ضيعات صغيرة مسيجة وبها منازل فاخرة ومجهزة بمكيفات الهواء، لا تنتج ولا تشغل، فقط أنها استفادت من الدعم في إطار “موضا” ملكية ضيعات صغيرة من قبل المتطفلين على القطاع، على حساب هشاشة العالم القروي وفقر ساكنته.

وشدد المتحدث ذاته، على أن الفلاح الصغير لم يكن إلا درجا من أجل الوصول إلى دعامات المخطط الأخضر، الذي لم يستفد منه سوى كبار الفلاحين الذين يتوفرون على ضيعات قريبة من السدود ومن الأودية الحية، والمقاولات الفلاحية التي نفذت المشاريع الأفقية، وشركات الأعلاف وشركات تصنيع الحليب ومستوردي الأبقار ومستوردي الآلات الفلاحية وأخيرا مؤسسات القروض الصغرى والمتوسطة..

وشدد الكرعة على أنه يجب إعادة السيادة للقطاع الفلاحي التي افتقدها، معتبرا أن السياسة المائية في المغرب عرفت انتهاكا خطيرا في السنوات الأخيرة بفعل دعامات المخطط الأخضر، وأن يتم السماح لعدة شركات أجنبية بالاستثمار في عدة زراعات تعتمد بالأساس على الثروة المائية، يعد جريمة نكراء.

وهذا نص الحوار:

 

لابد من إعادة النظر في منظومتنا الفلاحية بروح وطنية والثروة المائية تعرضت لجريمة نكراء

مخطط أخضر لكن بدون حليب وبدون خبز محلي وبدون لحوم حمراء وبدون أكباش.. ومع ذلك تصر بعض الجهات على اعتباره مخططا ناجحا 

* منذ أزيد من 11 سنة وأنتم تشتغلون في قطاع الحليب، قبل أن تغيروا الاتجاه نحو قطاع زراعة الحبوب، قاطعين علاقتكم بشكل شبه كلي مع قطاع الحليب بعد أن كنتم من الفاعلين الرئيسيين في منطقة الغرب، ما هو سياق تغييركم للمسار؟

** بالنسبة لتغيير نشاطي الفلاحي من قطاع الحليب إلى قطاع زراعة الحبوب، فذلك ما نسميه بحرية العبد في اختيار أسياده، إذ من مطرقة شركات التصنيع إلى سندان شركات المطاحن والوسطاء ولوبيات الاستيراد.

إن قطاع الحليب كان فرصة لإنقاذ الفلاح من حالة الهشاشة والضعف، والانتقال به إلى وضعية الطبقة الوسطى، وذلك لما يوفره القطاع من فرص للتشغيل الذاتي وتشغيل الغير، وما يوفره من سيولة نقدية كل 15 يوما، وهو ما عاد بالنفع على الأطباء البياطرة وبائعي الأعلاف بالتقسيط والمكلفين بالتجميع داخل التعاونيات بوسائل بسيطة. لكن شركات تصنيع الحليب كان لها رأي آخر، ذلك أنه بعدما تم التهافت على الاستثمار في قطاع الحليب من قبل كبار الفلاحين وبعدما انخرط الجميع في تعاونيات إنتاج الحليب، عرفت سلسلة الحليب نموا كبيرا في الإنتاج ليصل في سنة 2018 إلى 2.4 مليار لتر في السنة بعدما كان من المتوقع وفق أهداف المخطط الأخضر أن يصل إلى 4 ملايير لتر.

وفي هذه المرحلة شرعت شركات تصنيع الحليبن بداية من أكبرها على المستوى الوطني، تسن تدابير لتقليص نسبة الإنتاج، إذ أصبحت تقوم بتحليل مادة الحليب بمقرات التجميع لإثبات خلوه من مضادات الأدوية، علها تجد مبررات للتخلي عن فائض الإنتاج اليومي، ثم انتقلت إلى مرحلة تخفيض ثمن الحليب من 4 دراهم إلى درهمين للتر، وأخيرا اهتدت إلى مرحلة الكوطة.

وفي هذه المرحلة (الكوطة) تم دق المسمار النهائي في نعش هذه السلسلة، ليبادر المنتج إلى بيع قطيعه بثمن جد هزيل، لنفور كافة المنتجين والكسابة من هذا القطاع، الأمر الذي استفاد منه الجزار ومستهلكو اللحوم الحمراء، حيث وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من اللحم في الأسواق الأسبوعية إلى 40 درهما.

السؤال الذي طرح في تلك الفترة هو ماذا لو تحقق هدف المخطط، أي إنتاج 4 ملايير لتر في السنة بدل من 2.4 مليار لتر؟ ولماذا لم تكن لوزارة الفلاحة تدابير سابقة لاحتواء هذا الكم من الإنتاج؟

الجواب هو أن المخطط الأخضر لم يكن من إنجاز وطني، بل تكلف به أحد مكاتب الدراسات الأمريكية، وبذلك كانت الكارثة العظمى، وما زاد الطين بلة هو السماح لشركات تصنيع الحليب استيراد “حليب الغبرة” النباتي، الأمر الذي ساعدها على التخلي على المنتوج الوطني من الحليب لما يدره “حليب الغبرة” من أرباح إضافية، ذلك أن تكلفة الكيلوغرام من حليب الغبرة تقدر بـ 22 درهم تقريبا وينتج 11 لترا من الحليب في وقت كان ثمن اللتر هو 7 دراهم.

وقد كان لاتحاد الغرب لتعاونيات الحليب مشروع لإنتاج الأجبان بناء على دراسة لتدارك الوضع، أنجزها خبير دولي ووطني في الصناعات الغذائية، وقد كان لهذا الخبير تجربة كبيرة في دولة السينغال ورواندا، وبتجربته أرسى أسس التنمية الغذائية في هذين البلدين على مستوى قطاع الحليب، حيث إن كل شركات تصنيع الحليب بالمغرب تشتغل على إنتاج الحليب المبستر وعلى اليوغورت وبعض العصائر، أي دون صناعة الأجبان التي ظلت متروكة للاستيراد القانوني وعن طريق التهريب داخل الوطن في وقت من الأوقات، والكل يعلم أن المستهلك المغربي أصبح يفضل الوجبات السريعة (كالبيتزا وغيرها) التي تعتمد على أجبان الموزاريلا، مما كان سيجعل المشروع ناجحا بامتياز، إلا أن تدخلات شركات التصنيع ضد مشروعنا، ومعها بعض الجهات الإدارية، حالت دون تحقيق هذا الهدف.

وكان الأمل يحدونا عند بداية مخطط الجيل الأخضر، غير أن هذا المخطط لم يغير من سلسلة إنتاج الحليب سوى اسم الفيدرالية البيمهنية للحليب، إذ بعدما كانت تحت اسم fimalait صار لها اسم maroc lait، وبقيت نفس العناصر التي دبرت المخطط الأخضر هي ذاتها التي تدبر مخطط الجيل الأخضر، وتستمر الأزمة والنفور من الاستثمار في هذه السلسلة، لأن هذه السلسة منجزة ومهداة لمستوردي الأبقار وشركات الأعلاف وشركات تصنيع الحليب ولوبيات استيراد مشتقات الحليب.

الأمر الذي يطرح سؤالا عميقا: ماذا ينقصنا لنسير على تجربة مصر التي تصدر ملايين الأطنان من الأجبان في السنة؟

* ترتبطون بالبادية والمجال الفلاحي منذ سنوات طوال، حتى قبل انطلاق المخطط الأخضر، الذي أكمل خلال أبريل الماضي 17 سنة عن انطلاقته. كفلاح ورئيس سابق لتعاونية الحليب بمنطقة الغرب، كيف تقيمون نتائج هذا المخطط ونتائجه المرجوة عبر المساهمة في تطوير الفلاحة المغربية وتحقيق التنمية القروية؟

** إذا كان المجلس الأعلى للحسابات قد عدد إخفاقات المخطط الأخضر سنة 2021، وهو يعدد ذلك بناء على وثائق ومستندات، فما عسانا نحن أن نقول ونحن من فقدنا قطيعنا من الأبقار الأصيلة للحليب، ومن قطيعنا من أبقار اللحوم الحمراء ومن قطيع ماشية أغنامنا ومن بذورنا الطبيعية؟

إن ما رصد لتنفيذ أهداف المخطط الأخضر وصل إلى 150 مليار درهم، خصص منها 80 مليار درهم لكبار الفلاحين، إما على شكل تموين مباشر أو على شكل كراء أراضي الدولة أو بيعها لهم بأثمنة رمزية، وخصص مبلغ قدره 70 مليار درهم لفائدة صغار الفلاحين لكن على شرط أن لا تمنح الدعامات المباشرة إلا في مبلغ قدر بـ 20 مليار درهم، مثل دعم شراء الأبقار الحلوب وتلقيح الأبقار من أجل إنتاج اللحوم الحمراء، وبقيت 50 مليار درهم لتمويل المشاريع الأفقية مثل التشجير والسقي بالتنقيط والأحواض المائية…، وبالتالي فإن مقاولات على رؤوس الأصابع هي من تكلفت بهذه المشاريع.

وبالنسبة لكبار الفلاحين ولما لقيمة مبالغ الاعتمادات من أهمية، فقد استثمروا في قطاع الحوامض وبعض الفواكه وجهزوا ضيعاتهم بأحدث الوسائل الإنتاجية، الأمر الذي سيعرف معه قطاع الحبوب قطيعة مع منظومتنا الفلاحية، واضطررنا لتغطية طلبات السوق عن طريق الاستيراد بواسطة العملة الصعبة.

خلاصة القول إن الفلاح الصغير لم يكن سوى درج من أجل الوصول إلى دعامات المخطط الأخضر، الذي لم يستفد منه سوى كبار الفلاحين الذين يتوفرون على ضيعات قريبة من السدود ومن الأودية الحية، والمقاولات الفلاحية التي نفذت المشاريع الأفقية، وشركات الأعلاف، وشركات تصنيع الحليب، ومستوردو الأبقار، ومستوردو الآلات الفلاحية، وأخيرا مؤسسات القروض الصغرى والمتوسطة. وإلا فأين هي الفلاحة التضامنية التي كنا نعول عليها في تنمية العالم القروي؟ حيث تم إغلاق جل تعاونيات الحليب بسبب الخسائر التي تكبدها أعضاؤها، وأين هي حقول التشجير خصوصا أشجار الزيتون التي لم تلتزم مقاولات التشجير بحمايتها من الضياع وبسقيها إلى حين نضجها، وأين نحن اليوم من حجم الواردات وبالعملة الصعبة للحبوب والحليب ومشتقاته، بل وأين هو شباب العالم القروي الذي هاجر هروبا من البطالة والتهميش والحرمان، في حين أن من غايات هذا المخطط تحسين مداخيل صغار الفلاحين وتنمية العالم القروي؟؟؟؟

نعم صحيح جدا أننا أصبحنا نتوفر على اسطبلات إنتاج الحليب واللحوم الحمراء وتحسين نسل أغنامنا وأبقارنا، وأن أراضينا أصبحت تتوفر على أحواض مائية، وأن العديد من الفلاحين أصبحوا يمتلكون جرارات فلاحية مدعمة، وارتفع عدد رؤوس أبقارنا الأصيلة ما بين سنتي 2012 و2018، لكن ما جدوى هذه الإسطبلات اليوم بدون قطيع؟ وما الجدوى اليوم من أحواض الضيعات بدون ماء؟ وما جدوى هذه الجرارات المحملة بديون ثقيلة غير مؤداة؟ وما الجدوى من ضيعات صغيرة مسيجة وبها منازل فاخرة ومجهزة بمكيفات الهواء، ضيعات لا تنتج ولا تشغل، فقط أنها استفادت من الدعم في إطار “موضا” ملكية ضيعات صغيرة من قبل المتطفلين على القطاع، على حساب هشاشة العالم القروي وفقر ساكنته.

مخطط أخضر.. نعم.. لكن بدون حليب وبدون خبز محلي وبدون لحوم حمراء وبدون أكباش، ومع ذلك تصر بعض الجهات على اعتباره مخططا ناجحا.

إن العالم القروي اليوم، صار يعيش على كاهل وعلى عرق جبين أبنائه الموظفين أو المنخرطين في صفوف القوات المسلحة أو الشرطة أو المهاجرين؛ إن فلاح المخطط الأخضر لا يستطيع اليوم تأدية ما بذمته من ديون أو تأدية الفاتورة الكهربائية الشهرية أو الاستمرار في الإنتاج أو حتى شراء كبش العيد. إن غالبية المساحات المزروعة بالحبوب أو القطاني تستغل عن طريق الكراء من الغير.

* خلال السنوات الأخيرة شهدت الأسواق ارتفاعا فاحشا في اللحوم الحمراء والبيضاء والتي وصلت خلال الأيام الأخيرة إلى مستويات تتجاوز القدرة الشرائية للأسر المغربية متوسطة الدخل والفقيرة، فما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الارتفاعات الحارقة وكيف يمكن تجاوز هذه الأزمة؟

** إن ارتفاع ثمن اللحوم بصفة عامة هو تحصيل حاصل للسياسة الفلاحية التي خطط لها المخطط الأخضر، تخطيط كان يهدف أولا وقبل كل شيء إلى القضاء على كل منتجاتنا الفلاحية من بذور ومن سلالات الأبقار والأغنام، وبالتالي نصبح دولة فلاحية بسهولها وتلالها وجبالها.. لكنها دولة مستوردة بامتياز.

شخصيا، وبكل تواضع، كنت أول من تنبأ لهذه النتائج وبالضبط سنة 2013، عند تأسيس مكتب الاستشارة الفلاحية، وتنظيمها لثاني قافلة ميدانية بمنطقة الغرب وبالضبط بتراب خميس الرميلة بعد قافلة الحاجب. هنا تناولت في مداخلتي عقبات إنجاح هذا المخطط وفي النهاية قلت: من ينتظر نجاح المخطط الأخضر فهو يحلم، وهنا أوقفت اللجنة باقي التدخلات وسارعوا إلى تغذية الضيوف وانفض الجمع.

إن التلقيح الاصطناعي لتحسين النسل وإنتاج اللحوم الحمراء كان سببا مباشرا في أزمة اللحوم الحمراء، إذ بتحليل بسيط فكل ما يولد ملقحا بسلالة التسمين يكون مصيره الذبح، ذكرا كان أم أنثى، ومعنى هذا أن الأنثى ستنقرض، خاصة أن ما كان يهم الفلاح هو الحصول على مبلغ الدعم المقدر بـ 4 آلاف درهم وبالتالي بيع ما تنتجه له بقرته من عجول التسمين.

كما أن أزمة قطاع الحليب ساهمت بشكل مباشر في أزمة اللحوم حيث تفرغ الكسابة المنتجون للحليب إلى تلقيح قطيعهم بسلالة اللحوم الحمراء لحرمانهم من حق الاستفادة من امتيازات دعم عجلات الحليب التي لم يستفد منها سوى المنضوين تحت لواء الفيدرالية (فيمالي)، أي ضيعات شركات تصنيع الحليب دانون والجودة وكبار الفلاحين المنتجين للحليب.

مع مرور الوقت أصبحت البقرة الحلوب غير قادرة على الإنجاب لما لهذا التلقيح من تأثير، وهكذا فقدنا كل شيء، فقدنا أبقار كروازي السلالة وفقدنا أبقار الحليب، وتحول الطلب من طرف المجازر إلى قطيع الأغنام، فأتت المجازر على الأخضر واليابس، وكل شيء أمام أنظار كافة الجهات المسؤولة.

المسمار الأخير في النعش، كان في عيد الأضحى الأخير الذي عول فيه المواطن على الأغنام المستوردة التي بقي أمرها مجهولا حيث لم تنزل إلى السوق كما وعدوا، وتم استهداف سلالة الصردي لجعله في مقام “الديناصورات المنقرضة” في القريب العاجل.

وأمام هذه الأزمة وبعد انقضاء مخزون لحوم عيد الأضحى اتضح أن الطلب على اللحوم البيضاء ارتفع وقد وصل إلى 28 درهم للكلغ بعدما كان بعد العيد بحوالي 18 درهم فقط. فهل من حلول كما جاء في سؤالكم؟

نعم لدينا الحلول بصفتنا ككسابة ومنتجين، ولازالت لدينا الرغبة في الإنتاج، لكن هل تعتقد أن هذه الحلول ستلقى آذانا صاغية؟ وهل تعتقد أن الوزارة الوصية ليست لديها الحلول؟ والسؤال الحقيقي هو هل تستطيع الوزارة الوصية إيقاف لوبي الاستيراد وإقناعه بالكف عن تدمير ما تبقى من سلالتنا؟

إن قطاعنا الفلاحي اليوم، يجب أن نعيد له سيادته التي افتقدها، وأعتقد أن المفهوم واضح وجلي.

* رغم المخطط الأخضر الذي تحدثنا عنه مسبقا والذي صرفت عليه ملايير الدراهم، لازلنا نسد حاجياتنا من الحبوب عبر الاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة كما أشرت آنفا، كما أن المكونات الأساسية لقفة المغاربة من الخضر لازالت تعرف بدورها ارتفاعات حارقة في الأسعار وبدوره عرف الحليب زيادات متتالية خلال السنوات الماضية، أين يكمن المشكل؟ وهل من حلول واقعية؟

** هنا أود أن أذكر الجميع، أنه في الثمانينات والتسعينات وبداية الألفين، كان الفلاح المغربي لا يتجاوز إنتاجه في الهكتار الواحد ثلاثين أو أربعين قنطارا، وذلك لعدة أسباب منها عدم اقتناعه بدور المدخلات الفلاحية في الرفع من إنتاجه وغياب الإرشاد وعوامل طبيعية، وكان ثمن القنطار في السوق يصل إلى 300 درهم، ومعنى هذا أنه رغم قلة الإنتاج كان المغرب يستورد أقل بكثير مما يستورده اليوم، وينتفع الفلاح بشكل مباشر في غياب تكاليف باهظة كحالة اليوم.

وفي مرحلة ثانية تطورت زراعة الحبوب وصار الفلاح ينتج ما بين 40 إلى 70 قنطارا في الهكتار الواحد خلال السنوات الممطرة، إلى أن صار ثمن القنطار في السوق يبلغ 200 درهما مع ارتفاع تكاليف الإنتاج حيث وصل ثمن سماد السطح 46 إلى 1200 درهم للقنطار والسماد 33 إلى 700 درهم وأسمدة العمق إلى 360 درهم.

والسؤال المطروح، هل تقلص ثمن بيع القنطار نتيجة الفائض في الإنتاج أم هناك عوامل أخرى؟ بالطبع هناك عوامل أخرى تتمثل أساسا في الاستيراد المبكر للحبوب بناء على تقييمات خاطئة وعمدية لإغراق السوق، إذ كيف يمكن إحصاء محصولنا الفلاحي دون عملية التجميع وقبل عملية الحصاد.

كل ذلك يتم بمبرر حكومي هو أن يتم استيراد الحبوب من الأسواق العالمية قبل أن يعرف الطلب عنها ارتفاعا، الأمر الذي اضطر معه المنتج إلى تحويل فائض إنتاجه إلى أعلاف تفاديا للخسارة والتبخيس، حيث لا يمكن له شراء قنطار من النخالة بـ 300 درهم، مقابل بيع حبوبه بـ 200 درهم للقنطار.

كما ساهم تخلي الضيعات الكبرى عن إنتاج الحبوب وانشغال أصحابها المكثف بقطاع الحوامض، تهافتا على التصدير والحصول على دعامات المخطط الأخضر من أجل التجهيز والإصلاح، في تكريس أزمة الحبوب، وهناك سبب آخر هو إغراق فلاحتنا ببذور مهجنة غير طبيعية تستوجب التجديد كل موسم، الأمر الذي حال دون تحقيق النتائج المرجوة.

لكن يبقى سبب آخر وقد لوحظ في الموسم الفارط، لا يقبله العقل والصواب، هو تمكين منتجينا خلال موسم 2022 / 2023 من أسمدة العمق بالمكون التالي: 05 ـ 46 (آي 05 آزوت و46 فوسفور) وهي تركيبة بدون بوطاس وضعيفة الآزوت، بقيمة 220 درهم للقنطار، الأمر الذي أسال لعاب المنتجين وكانت الكارثة في التحصيل. فمن يتحمل هذه المسؤولية؟

ولهذه الأسباب وغيرها اضطر فلاح الحبوب إلى الاعتماد على زراعة الحمص في الآونة الأخيرة لأهمية إنتاجها وسمعتها والطلب عليها في الأسواق المحلية خصوصا بعد ارتفاع ثمن اللحوم الحمراء حيث اضطر المستهلك لتغيير مواد مائدته قسرا.

من أجل الحلول، لا بد من المساءلة، ولا بد من إعادة النظر في منظومتنا الفلاحية بروح وطنية، علينا أن نحمي فلاحينا من الوسطاء الذين يبخسون منتجاتهم ويربحون من عرق جبينهم ما لا يستطيع الفلاح ربحه، ثم ربط علاقة مباشرة بين الفلاح ومكاتب الاستيراد والتصدير وذلك بإحداث مراكز للتجميع للتأكد من حجم وقيمة منتجاتنا. وحان الوقت لوقف زراعة الحوامض والأفوكادو والتوت الأزرق والأحمر وإيقاف زراعة الزيتون في المناطق الخصبة والقنب الهندي في مزارع جديدة.

إن الخبز هو أساس تغذية المواطن المغربي، حيث تقدر بعض الدراسات أن المواطن المغربي يستهلك قنطارين من الحبوب سنويا، وهو معدل قياسي عالمي. لإعادة توازن القفة المغربية من الخضروات واللحوم علينا أن ننظم عملية البيع وألا نترك الوسطاء يمتصون جيوب المستهلك المغربي، وليعلم المستهلك المغربي أن ارتفاع أسعار القفة المغربية لا علاقة لها بالفلاح، ولا يستفيد هذا الأخير مطلقا من هذه الأسعار، بل الوسطاء هم من يقفون وراء هذا اللهيب وبطبيعة الحال أمام صمت الجهات المسؤولة.

إن الفلاح تؤخذ منه منتجاته غصبا عنه بفعل إكراهات ديون الإنتاج ووصول أجل الحصاد، وارتفاع تكاليف المدخلات واليد العاملة ومتطلبات العيش، وهو من يحمل على عاتقه السلم الاجتماعي، فلا رقيب على وضعه المزري حيث صار مجرد حارس على أرضه، وإن قاوم فالأسوأ قادم.

* كثيرا ما يتم تبرير ارتفاع الأسعار بالجفاف وارتفاع أسعار المحروقات دوليا، فإلى أي حد يمكن الحديث عن الجفاف كعامل طبيعي هو السبب الرئيسي في الأزمة التي تعيشها الفلاحة المغربية؟ وإلى أي حد يمكن تحميل الوضع القائم إلى عوامل بشرية؟

** نعم للجفاف وأسعار الوقود دور في أزمة فلاحتنا، ولكن للمخطط الأخضر اليد الطولى في هذه الأزمة، لأنه مشروع لا ينبني على التدابير السابقة واللاحقة لاحتواء الأزمة وتفاديها، بخلق حلول آنية تجعلها في مواكبة فعلية لمشاريع المخطط، أما وأن نمول جل المشاريع فقط لإرضاء من يعنيهم الأمر، فذلك يعتبر فوضى وسوء التسيير بل الحرص على الإفشال العمدي.

وهنا أسوق مثالا: فائض إنتاج الحليب الذي تم الحصول عليه خلال سنة 2018، فهل كان من خطط لهذه السلسلة ينتظر أن المستهلك المغربي سيستهلك هذه النسبة من الإنتاج في وجبة الفطور؟ وعليه لماذا لم يتم تحويل هذا الفائض إلى أجبان، وإلى مسحوق الحليب من أجل الحفاظ على المنتجين، وعلى قطيعنا من الأبقار؟ وقد سبق القول إننا بادرنا للقيام بهذا الدور عن طريق شراكة بين اتحاد الغرب لتعاونيات الحليب وشركة “ايصا” لتصنيع الحليب ومشتقاته، غير أن أيادي خفية حالت دون ذلك.

كما وقع نفس الإشكال بالنسبة لإنتاج الحبوب وبالضبط سنة 2018، وأعتقد أن جهة معينة بمنطقة دكالة قد قامت بإفراغ محصولها في الطريق العمومي احتجاجا على الأثمان الهزيلة التي فرضتها المطاحن على منتجي الحبوب، إذ في هذه السنة بلغ إنتاج الحبوب ما بين 50 و70 قنطارا في الهكتار في منطقة الغرب ومنطقة برشيد التي نظم بها أول معرض لإنتاج الحبوب تشجيعا على الإنتاج. لكن السؤال هو لماذا لم تتدخل الجهات المسؤولة لتخزين فائض الإنتاج، وتركت الفلاح يحول إنتاجه إلى أعلاف؟

ومن الأسباب الأخرى لهذه الأزمة هو الاستغلال البشع لثروتنا المائية، إذ وقع إهدار وإفراط في استغلالها في زراعة البطيخ الأحمر والتوت بأصنافه وزراعة الأفوكا والتفاح في مناطق جديدة مثل نواحي إفران، الأمر الذي كانت له تأثيرات سلبية على فلاحتنا وسياحتنا، وسيأتي الوقت للحديث عن أزمة سياحتنا لهذه الأسباب ذاتها.

إذن للجفاف ولارتفاع ثمن الوقود دور في أزمة فلاحتنا، بينما للعوامل البشرية الجانب الأكبر في هذه الأزمة، حيث إن بعض الخدمات التي يؤديها الوقود لا تنخفض قيمتها رغم انخفاض ثمن الوقود في بعض الأحيان، ذلك أن الوقود وصل ثمنه في 2022 إلى أزيد من 18 درهم واليوم يترواح ثمنه ما بين 12 إلى 13 درهم ومع ذلك لازلت جل الأثمنة لمكونات القفة المغربية تزداد دون حسيب، مع غياب أي تدابير لازمة للتخزين أو التصدير لتقليص حجم خسائر المنتجين في سنوات فائض الإنتاج.

* تحدثنا في سؤال سابق عن الاستيراد من الخارج، فهل تؤثر عمليات استيراد المنتوجات الفلاحية من الخارج على المنتوج الوطني؟

** أكيد أن إغراق السوق المغربي بمنتجات أجنبية كانت له انعكاسات خطيرة على فعالية إنتاجيتنا، حيث هنا فقد الفلاح بوصلته وأصبح غير قادر على مواصلة إنتاجه، سواء في إطار سلسلة الحليب أو سلسلة الحبوب أو قطاع التسمين بعد إصابة قطيعنا بداء الحمى القلاعية.

لقد حار الفلاح في السنوات الأخيرة عند بداية كل موسم، أي زراعة يعتمدها لتنقذه من خطر تدفق الواردات؟ وللعلم ففي ذروة إنتاج الحليب تعمدت شركات تصنيع الحليب استيراد حليب “الغبرة”، وفي ذروة إنتاج الحبوب أغرق لوبي الاستيراد الموانئ المغربية بالحبوب دون تدقيق نسبة الخصاص، وبرسوم جمركية رمزية إن لم نقل معفاة.

إذن كيف لهذا الفلاح أن يقاوم هذه السيول من الواردات خصوصا أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج من مواد ويد عاملة صارت مفقودة في العالم القروي بسبب هجرة الشباب من ذكور وإناث؟ ولهذه الأسباب يعرف عالمنا القروي الهشاشة والفقر والهجرة.

* كيف تقيمون السياسة المائية المعتمدة في المغرب وكيف يمكن تجاوز أزمة الماء القائمة؟

** إن السياسة المائية في المغرب عرفت انتهاكا خطيرا في السنوات الأخيرة بفعل دعامات المخطط الأخضر، وأن يتم السماح لعدة شركات أجنبية بالاستثمار في عدة زراعات تعتمد بالأساس على الثروة المائية، يعد جريمة نكراء.

الكل صار يعلم كم يستهلك كلغ واحد من إنتاج الأفوكادو من لتر من الماء، ولربما أن قيمة المياه المستهلكة تفوق ثمن الكلغ من الإنتاج، ولهذا فقد صار إنتاج البطيخ الأحمر والأفوكادو والتوت بأصنافه والقنب الهندي والتفاح في مناطق جديدة، خطرا على ثروتنا المائية، خطرا يهدد فلاحتنا وسياحتنا وحاجياتنا من المياه الصالحة للشرب.

إن الكل كان ولايزال يشهد دور “الضايات” نواحي إفران في سياحتنا الداخلية والخارجية، فأين هي “ضاية عوة” و”ضاية أحشلاف” وغيرهما من المواقع السياحية في بلادنا ومصدر ثروتنا المائية، لقد تم الإجهاز عليها بواسطة الثقوب المنجزة بجوارها لسقي ضيعات التفاح، وأين هي “عين تغنيت” بمنطقة الزومي بإقليم وزان، هاته المنطقة كانت تغرق الأسواق المغربية بفاكهة البرقوق والسفرجل.

لقد يبست الأشجار بالتمام وصارت قاحلة بعدما كانت جنة الله في أرضه، مياهها كانت تجري على سطح الأرض وهي في قمة الجبل، تدر مياهها على البساتين دون تكلفة الجر، وتمد الساكنة بمياه الشرب، إلا أن توسيع دائرة إنتاج القنب الهندي في المنطقة وإنجاز ثقوب مائية في أسفل الجبل، كان سببا في غور مياه عين تغنيت.

أعتقد يقينا أن خطاب العرش الأخير قد دق ناقوس الخطر في أبواب كل الجهات التي تقوم دون هوادة أو رحمة بالترخيص لحفر الثقوب والآبار المستنزفة لثروتنا، ولقد عودنا جلالة الملك على آذانه الصاغية، وإن هذه الالتفاتة الملكية لثروتنا المائية ليست بناء على تقارير من الجهات الوصية بل استجابة لنداءات الضمائر الحية.

إن حلول جلالة الملك حكيمة وصائبة من أجل ربط مجاري السدود المغربية ببعضها وعدم ترك خيراتها تهدر في البحار، كما دعا إلى إنجاز سدود جديدة في المناطق التي تعرف تساقطات مطرية.

وإذ نتمنى أن يتم تنزيل هذه الحلول في أقرب الآجال وفق ما رسمه جلالة الملك، حيث يكفينا كارثة سد سيدي الشاهد بنواحي فاس، الذي قام بتجميع مياه مالحة غير صالحة لا للسقي ولا للشرب، ولا نريد قبلية أو تحيز في إنجاز سدود جديدة على حساب المشروع الملكي، ذلك أن منطقة الغرب وخصوصا من جهة شماله تعرف تساقطات تنقد جميع المواسم ولا ينقصها سوى الري التكميلي، فلماذا تحرم عدة مناطق من مياه سد الوحدة وأقصد بالذات منطقة جماعة عين الدفالي وأحد كورت وسيدي قاسم حروش وسيدي عزوز، كما لا يستفيد من خيرات وادي سبو وورغة سوى الإقطاع الذين تمتد ضيعاتهم على طول هذه الأودية، وكم هذه المناطق في حاجة للسقي الحيواني باعتبارها مناطق بورية لا فرشة مائية بترابها.

أتمنى أن تشتغل الجهات المسؤولة على هذا المشروع الذي هو السقي الحيواني، وذلك بتقريب مياه الأنهار من الساكنة التي تعتمد تربية الماشية، على طبيعتها أي لا تتطلب المعالجة، لفائدة السقي الحيواني.

* عودة إلى الزراعة، هناك عدة مبادرات على المستوى الوطني لتشجيع الزرع المباشر، فما هي أهمية هذا النوع من الزراعة وما هي آثارها؟

** بالفعل يعرف مشروع الزرع المباشر انتشارا واسعا في كافة ربوع المغرب، وهو برنامج استعجالي يحد من تأثير الجفاف، غايته تقليص تكاليف الإنتاج من حرث وبذور ومقاومته للجفاف، حيث يتم الاكتفاء بحرث خفيف أولي عند الانتهاء من الحصاد ودون جمع ما تبقى من التبن، ثم يليه حرث أثناء موسم الزرع بواسطة مبذرات خاصة إما ممولة من طرف المكتب الشريف للفوسفاط بصفته المبادر والممون لهذا النوع من الزرع أو من طرف الغرف الفلاحية…، واعتماد كمية محدودة من البذور لا تتجاوز 150 كلغ في الكهتار بالنسبة لزراعة الحبوب.

ومن أجل تشجيع الفلاح على هذه الزراعة الحافظة يدعم المكتب الشريف للفوسفاط كافة الفلاحين المنضوين تحت لواء جمعيات الزرع المباشر في البداية بأسمدة العمق والأدوية والبذور والأدوية في إطار حقول تجارب، وبعدها صار يمول جميع المنخرطين بأسمدة العمق.

حققت هذه الزراعة نتائج إيجابية لمقاومتها للجفاف وبسبب الإرشاد والتواصل والمواكبة من طرف أطقم شابة من المهندسين أعدها المكتب الشريف للفوسفاط.

غير أن لهذه التجربة بعض الإشكالات ومنها نظام الملكية بالنسبة لصغار الفلاحين، حيث يمتلك الفلاح الصغير أراضي متباعدة وصغيرة المساحة يصعب استغلالها وتكون عرضة للرعي الفوضوي من قبل الرحل والكسابة المجاورين الذين لا أرض فلاحية لهم.

وبسبب هذا الرعي تفقد الأرض مقوماتها من بقايا التبن الذي هو مصدر تخصيب تربتها، كما أن لعدم جودة المبيدات دور في تقليص نتائج هذه الزراعة، ولا يجب أن نغفل استفحال نمو بعض الحشرات بسبب بقايا التبن تحت التراب تقوم بقطع جدور النباتات (دودة بوشاكر) عند الإنبات، الأمر الذي يصعب تداركه بفوات موسم الزرع، وتكون نسبة الإنبات خفيفة جدا مما يساعد على ظهور الأعشاب الضارة ولحد الآن لم تجد شركات الأدوية الحل النهائي لهذه الحشرة.

* في نفس السياق نلاحظ خلال السنوات الأخيرة غياب أصناف من الخضر والفواكه وظهور أخرى من نفس الصنف بشكل مختلف، إذ يتم هناك الحديث عن اعتماد البذور الهجينة، فهل من آثار سلبية لهذه النوعية من البذور على الفلاحة؟

** صار الحديث بإلحاح عن البذور المهجنة بشكل يقلق راحة الفلاحة والمستهلك المغربي، إنه بالفعل خطر يهدد مستقبل فلاحتنا، لقد عاد الفلاح تحت رحمة شركات تهجين البذور العالمية. تناولها الفلاح في البداية عن طريق الدعم المباشر وأقصد بها زراعة البطيخ الأحمر أولا، ثم تلته زراعة الطماطم والبطاطس والبصل والتين الشوكي… وأخيرا زراعة الحبوب وأشجار الزيتون والتين.

وما يقلق كثيرا هو بذور الحبوب، ذلك أنه خلال هذا الموسم، أي موسم 2023/ 2024 بالنسبة للفلاحين الذين اعتمدوا زراعة حبوب (بونديرة) تكلفوا خسائر كبيرة وذلك ربما لانتهاء فعاليتها وعدم قابليتها للتفاعل مع تربتنا. ومعنى هذا أننا فقدنا بذورنا الطبيعية وصرنا خاتما في يد شركات التهجين، ولا من يحمي الفلاح عند عدم جودتها خصوصا وأن الجهات المعنية تتبنى عدة مبررات لإقناع الفلاح بأخطائه واعتباره مخطئا، كما وقع في سنوات مضت بالنسبة للحوم العيد الفاسدة بسبب تلقيحات تمكن منها الفلاح، وبالتالي نسبت كل الأخطاء للفلاح مع العلم أن الفلاح بريء منها.

أكيد أننا فقدنا بذورنا الطبيعية التي كانت تقاوم الجفاف، وفقدنا سيادتنا على فلاحتنا، وكلنا نعلم كيف صار العالم وبالأخص الدول الكبرى التي تتحكم في الإنتاج العالمي من الخبز، لقد أصبح الغذاء سلاحا وسياسة قوية لانتهاك سيادة الدول الفقيرة، وأعتقد أن الوضع يقتضي التدخل العاجل من قبل معهدنا للزراعة والبيطرة لحماية ما تبقى من بذورنا الطبيعية.

نوافذ:

إذا كان المجلس الأعلى للحسابات قد عدد إخفاقات المخطط الأخضر سنة 2021، وهو يعدد ذلك بناء على وثائق ومستندات، فما عسانا نحن نقول ونحن من فقدنا قطيعنا من الأبقار الأصيلة للحليب، وقطيعنا من أبقار اللحوم الحمراء وقطيع ماشية أغنامنا ومن بذورنا الطبيعية؟

إن ارتفاع ثمن اللحوم بصفة عامة هو تحصيل حاصل للسياسة الفلاحية التي خطط لها المخطط الأخضر، تخطيط كان يهدف أولا وقبل كل شيء إلى القضاء على كل منتجاتنا الفلاحية من بذور ومن سلالات الأبقار والأغنام، وبالتالي نصبح دولة فلاحية بسهولها وتلالها وجبالها مستوردة بامتياز.

السياسة المائية في المغرب عرفت انتهاكا خطيرا في السنوات الأخيرة بفعل دعامات المخطط الأخضر، وأن يتم السماح لعدة شركات أجنبية بالاستثمار في عدة زراعات تعتمد بالأساس على الثروة المائية، يعد جريمة نكراء.

ساهم تخلي الضيعات الكبرى عن إنتاج الحبوب وانشغال أصحابها المكثف بقطاع الحوامض، تهافتا على التصدير والحصول على دعامات المخطط الأخضر من أجل التجهيز والإصلاح، في تكريس أزمة الحبوب، وهناك سبب آخر هو إغراق فلاحتنا ببذور مهجنة غير طبيعية تستوجب التجديد كل موسم، الأمر الذي حال دون تحقيق النتائج المرجوة..

الفلاح الصغير لم يكن سوى درج من أجل الوصول إلى دعامات المخطط الأخضر، الذي لم يستفد منه سوى كبار الفلاحين الذين يتوفرون على ضيعات قريبة من السدود ومن الأودية الحية، والمقاولات الفلاحية التي نفذت المشاريع الأفقية، وشركات الأعلاف، وشركات تصنيع الحليب، ومستوردو الأبقار، ومستوردو الآلات الفلاحية، وأخيرا مؤسسات القروض الصغرى والمتوسطة. وإلا فأين هي الفلاحة التضامنية التي كنا نعول عليها في تنمية العالم القروي؟ حيث تم إغلاق جل تعاونيات الحليب بسبب الخسائر التي تكبدها أعضاؤها، وأين هي حقول التشجير خصوصا أشجار الزيتون التي لم تلتزم مقاولات التشجير بحمايتها من الضياع وبسقيها إلى حين نضجها، وأين نحن اليوم من حجم الواردات وبالعملة الصعبة للحبوب والحليب ومشتقاته، بل وأين هو شباب العالم القروي الذي هاجر هروبا من البطالة والتهميش والحرمان، في حين أن من غايات هذا المخطط تحسين مداخيل صغار الفلاحين وتنمية العالم القروي؟؟؟؟

حاوره: عبد الصمد ادنيدن

Top