كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
القاصة أمينة الشرادي: لا توجد وصفة سحرية تجعلك تنتج إبداعا قويا وخلاقا
للقاصة أمينة الشرادي مجموعة قصصية ورقية بعنوان “جسد بلا أضلع”، صدرت السنة الماضية، كما لديها إصدار إلكتروني، عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان “الكلام غير المباح”. إنها مواظبة على الكتابة والنشر، خاصة في مجال فن القصة. تستعد حاليا لإصدار مجموعة قصصية أخرى، بالإضافة إلى دراسة حول المرأة في روايات محمد شكري.
كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
– كان للمدرسة دور كبير في انخراطي في مجال الكتابة والقراءة، حيث كان لأستاذ اللغة العربية وكذا لأستاذ اللغة الفرنسية الأثر الكبير في توجيهي واهتمامي بعالم الأدب، وذلك من خلال القصص التي كانا يمداني بها وتشجيعي على قراءتها لما لاحظا اهتمامي بالقصص. وكان أستاذ اللغة الفرنسية بالذات يطرح علينا مواضيع اجتماعية أو وجودية ويطلب منا الكتابة حولها، فكنت أجد متعة كبيرة في التعبير. من هنا اكتشفت ذاتي واكتشفت عشقي للكتابة. وجاءتني فكرة تكوين خزانة خاصة بي بالبيت. فكانت أول رواية أشتريها للكاتب المصري محمد عبد الحليم عبدالله “لقيطة”. وجاءت بعده كتب الأديبة نوال السعداوي. ثم للكاتب فرانز كافكا، حيث اكتشفت عالمه الموحش ونظرته السوداوية، فأصبحت أعشق عالم الكتب، وأحب أن أحكي وأصور كل ما يدور حولي وما يثير انتباهي. وأصبحت مدمنة على شراء الروايات والقصص باللغتين: العربية والفرنسية، والمواظبة على قراءتهما. وكنت أحيانا أقوم بتلخيص إحدى القصص أو ترجمتها، كما كنت أفعل أحيانا مع شعر نزار القباني الذي أثر في بشكل كبير، من خلال استعماله لأسلوب سلس لكن عميق جدا في دلالاته.
* ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
– لدي مجموعة من القصص، منها ما نشر ومنها ما لم ينشر بعد. وأهم عمل بالنسبة إلي والذي أعتز به وخرج الى النور في السنة الماضية، هو مجموعتي القصصية “جسد بلا أضلع” عن دار لوتس للنشر والتوزيع بجمهورية مصر العربية.
* ما هي الرسالة التي تحملها أعمالك الأدبية؟
– أعتبر أن القصة القصيرة، تهتم دائما بالإنسان المهمش وصاحب قضية، وتحاول أن تبرز عالمه دون السقوط في التقريرية التي تبتعد كليا عن الإبداع. ولكوني امرأة، وجدت نفسي أكتب عن معاناة المرأة في مجتمعنا المثقل بالعادات والتقاليد التي تعمل على تكميم صوتها وجعلها تابعة وبدون إرادة. ولا يعرف التفاصيل الدقيقة للمرأة سوى المرأة، كما قال الشاعر نزار القباني الملقب بشاعر المرأة: “مهما كتب الرجل واهتم بقضية المرأة، فلن يستطيع أن يدافع عن قضية المرأة سوى المرأة”. لذا أحاول أن أتطرق لكل الحواجز التي تعيق انطلاقها، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا. أعمل على لفت الانتباه لهذه المعوقات والتفاصيل في حياتها. هذا لا يعني أنني لا أكتب عن الإنسان بصفة عامة. الإنسان الذي يبحث عن العيش الكريم.
* ما هي الأعمال الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
– أهم الكتب التي تأثرت بها، كانت لنجيب محفوظ، محمد زفزاف، محمد شكري، يوسف إدريس، غادة السمان، ومن الأدب الكلاسيكي العالمي، نجد بالزاك، هيمنغواي، بروست، هرمان هسه…. وآخرين.
* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
– أظن أن طبيعة الإبداع، تتمثل في عدم السير على نمط واحد، لأنه لا توجد وصفة سحرية تجعلك تنتج إبداعا قويا وخلاقا. لكن هناك أساسيات يمكن اتباعها وليس بالضرورة احترامها. وتبقى قدرة المؤلف أن يجعل من أي نص إبداعي نصا متميزا بدلالاته ومعانيه وصوره الشاعرية. لا أستطيع الحديث عن منحى تجريبي في كتاباتي، ربما أترك هذا للقراء وللمهتمين، لأنه أكثر ما يهمني في كتاباتي، هو التعبير عن لحظة معينة أو موقف معين أو واقع، وإيصاله للقارئ بطريقة إبداعية، في نفس الآن أجعله يطرح السؤال ويعيد قراءة نصوصي بطريقة أخرى، لأنه كل ما يكتب أو يقرأ مبني على ذات الإنسان وتكوينها وثقافتها. كما هو في السينما، الفيلم يخرج للوجود محاولا نقاش موضوع أو طرح قضية أو فكرة أو سرد حكاية بأسلوب فني ومبدع وتبقى ذات المتفرج هي التي تعطيه قراءة ثانية.
* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
– للتواصل الرقمي دور كبير في الانتشار بالنسبة لكل كاتب أو كاتبة، إنه بمثابة متنفس لكل مهتم بالمجال الإبداعي. خصوصا أننا نعلم مدى صعوبة النشر في المغرب. التواصل الرقمي فتح هذه النافدة التي أعتبرها جد إيجابيه، لأنها تجعلك تتواصل مع الآخر وتسمع رأيه فيما تكتب وتستفيد وتفيد. رغم أن هذه الوسيلة لها سلبياتها أيضا، لأنه ليس كل ما يكتب في فضاء التواصل الرقمي يدخل في خانة الإبداع. أستعمل التواصل الرقمي، وقد جعلني أكتشف عالما كبيرا من المبدعين والمبدعات، وأطلع على تجارب أخرى مختلفة. لكنه من أجل القراءة، لا بد من الحصول على الكتاب بين يديك والاستمتاع به مباشرة.
* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– هو سؤال عميق ودقيق وشامل، ربما لا يسع هنا للحديث بشكل أوفر، لذا سأحاول الإيجاز. حسب رأيي المتواضع، التجربة الإبداعية في مجال الكتابة للجيل الحالي، باختلاف أعمارهم وأجناسهم، هي تجربة جد غنية ومتنوعة. وذلك لوفرة الإنتاج الأدبي في مجالات متعددة. وأهم ما يميزها هو سهولة انتشارها بواسطة المواقع الإلكترونية الأدبية التي سهلت التواصل بين مختلف التجارب الإبداعية في كل المجالات الأدبية والاطلاع عليها. هناك تجارب إبداعية أغنت الساحة الأدبية، فهي لا تختلف عن الأجيال السابقة. سيكون الاختلاف في طبيعة المواضيع وطرحها بشكل واقعي أكثر. مثال لا للحصر، نجد من الكاتبات: فاتحة مرشيد، لطيفة باقا، الزهرة الرميج… قصص وروايات تنطلق من الواقع وتحاول أن تقرأه أو تسائله بواسطة أسلوب أدبي، وتجعل القارئ يعيش تلك الأحداث وربما تتولد لديه رغبة ممارسة فعل القراءة. ومن الكتاب هناك الكاتب عبد الحميد شوقي بروايته “سدوم” التي تعتبر تجربة مهمة ومختلفة في الكتابة الروائية. ونجد أيضا الكاتب شعيب حليفي، الذي بقوم بعملية النبش في التاريخ، ويعتمد عليه في نصوصه الإبداعية. هناك أصوات إبداعية متميزة، تنتمي إلى الجيل الحالي.
ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
– أعمل حاليا على المجموعة الثانية التي أتمنى أن ترى النور قريبا. وهناك قصص قصيرة مازالت لم تنشر بعد. ولدي عمل مازال في بداياته، أحاول من خلاله الحديث عن “المرأة” في كتب محمد شكري، لأن عالمه يستهويني، كما أن شخصياته من النساء، كلها غامضة وواقعية ومسحوقة ومناضلة.
> إعداد: عبد العالي بركات