من دروس المونديال

اختتمت الأحد منافسات مونديال كرة القدم بجنوب إفريقيا بفوز اسبانيا باللقب العالمي لأول مرة في تاريخها، وذلك بفضل الهدف القاتل لأندريس انيستا خلال الشوط الإضافي الثاني من مباراتها ضد المنتخب الهولندي في ملعب سوكرستي بجنوب إفريقيا. انتهى العرس الكروي العالمي، وقد شد عيون واهتمام ملايين الناس عبر الدنيا طيلة شهر كامل، واحتفلت جنوب إفريقيا أيضا بنجاحها في تنظيم التظاهرة لأول مرة في بلد إفريقي، وعاد الجميع إلى تقييم مشاركته أو عدم مشاركته كذلك، واستخراج الدروس والعبر.
مونديال جنوب إفريقيا مكن من اكتشاف فرق لم تكن تمثل شيئا في سوق التنافس الكروي العالمي، واستطاعت أن تلفت إليها هذه المرة الانتباه مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وذلك بواسطة لاعبين محليين، وأساسا بمدربين محليين، لكن بتخطيط علمي دام سنوات.
انه الدرس الذي يجب علينا في المغرب أن نتأمله جيدا، ونقتنع بأهمية التخطيط وإعمال استراتيجيات مدروسة، وبالتالي الخروج أخيرا من منغلقات الهواية والارتجال، والعودة في كل مرة إلى تكرار البدايات.
إن أجواء متابعة مباريات المونديال عبر مختلف مدننا وقرانا، بينت من جديد أننا نمتلك جمهورا عاشقا لكرة القدم ومتابعا لمنافساتها وأخبارها، وهذا عنصر قوة تفتقر إليه الكثير من البلدان، ولابد من الاهتمام به في كل مخطط وطني للنهوض بكرتنا.
الدرس الآخر الذي ذكرنا به مونديال جنوب إفريقيا أن كرة القدم صارت فعلا صناعة قائمة بذاتها لها قوانينها وأسرارها ومعاملاتها وأسواقها، وللحصول على قسط من أرباحها ومداخيلها لا بد من الاستثمار كذلك وإتقان تقنيات التسويق والحرص على جودة المنتوج وعلى حسن الترويج له، وفي الأيام القليلة المقبلة ستبدأ مبالغ الأرباح في الظهور سواء بالنسبة للفيفا أو للبلد المنظم أو للشركات والقنوات التلفزيونية، وهذا التحول يجعل من كرة القدم والرياضة بصفة عامة قطاعات يمكنها أن تنتج الثروات وتدر الأرباح وتخلق فرص شغل.
من جهة أخرى، فإن جنوب إفريقيا لم تنجح فقط في تنظيم كأس العالم من دون أحداث أمنية أو إجرامية كبيرة، إنما تمكنت من إبراز بنياتها التحتية التي أعدت لاحتضان التظاهرة، وهنا على بلادنا أن تنجح في هذا الورش المهم بالنسبة لأي تطلع لتنظيم تظاهرات رياضية دولية أو جهوية، فالتنافس صار حادا، ولم يعد أحد يقتنع بالتصاميم وبحسن النوايا وبكلام مكتوب في دفاتر تحملات…
إذن، إن امتلاك تجهيزات رياضية من مستوى عالٍ، وتوفير الاستثمارات والتمويلات الضرورية، واعتماد التخطيط الاستراتيجي المدروس بإشراك كفاءات مختصة، واستحضار عنصر الجمهور وشعبية كرة القدم في البلاد، بالإضافة إلى موقع المغرب الجغرافي وصورته لدى الآخرين، هي المهمات التي يخلفها لنا اليوم  مونديال جنوب إفريقيا.
المونديال القادم غدا، وعلينا أن نستعد من الآن.

Top