ستوديو المغرب الكبير

عرف البرايم الثالث لستوديو دوزيم مساء أول أمس (السبت)، تألقا ملحوظا، شكلا ومضمونا…

من علامات هذا التألق الإصرار على الانتصار للأغنية المغربية والمغاربية في مواجهة زحف الأغاني الشرقية والخليجية على وجه الخصوص التي تخترق الأذن الموسيقية للمغاربة بدون استئذان في قنواتنا الوطنية والفضائيات العربية المنتشرة في سماء العالم والمستهلكة أكثر في المشهد السمعي البصري العربي والمغاربي…

 

ومن علامات التألق أيضا، الاختيارات التي سلكها القيمون على البرنامج في انتزاعهم لانفراد إبداعي فني لفائدة القناة الثانية، تجلى ذلك في إنتاج فقرات غنائية قدمت حصريا على بلاتو ستوديو دوزيم، مما يدل على أن إدارة الإنتاج أتقنت، لفائدة القناة وجمهورها، صياغة عقود الفنانين المدعوين لتنشيط البرايم بجعلهم ينخرطون فنيا في التصور الإخراجي للبرنامج.. وهكذا استمتع الجمهور بدويتوهات مشتركة بين فنانين محترفين التقوا لأول مرة على خشبة المسرح، ودويتوهات يعانق فيها المحترفون الكبار المبتدئين الشباب، الشيء الذي خلف، لا محالة، لحظات من الفرح والسعادة في قلوب هؤلاء الفنانين الشباب الذين سيشعرون بدفء مساندة السابقين للاحقين، وستظل هذه الثنائيات ذكرى موشومة في مسارهم الفني.

كما تألقت حلقة البرايم الثالث في إمتاع جمهورها بفقرة غنائية شارك في صنعها أعضاء من لجنة التحكيم بقيادة الفنان محمد الدرهم، (كمقدمة للبرايم القادم الذي سيحتفي بتجربة المجموعات) وكانت مشاركة ذكية تنطوي على كثير من الرسائل الرمزية… منها أن أعضاء لجنة التحكيم ليسوا مجرد سلطة للتقويم والتوجيه فحسب، بقدرما هم أيضا ممارسون ومهنيون يستمدون مشروعيتهم من كفاءاتهم وعطاءاتهم وحضورهم في الحقل الموسيقي والغنائي المغربي، ومن ثمة، فبإمكانهم أن يشكلوا قدوة لجيل الشباب. ومن هذه الرسائل أيضا يمكن قراءة المضمون الإنساني القوي  للمقاطع التي وقع عليها اختيار  المجموعة والتي صدح بها صوت محمد الدرهم الشجي، لعل في ذلك خطابا فنيا بيداغوجيا مباشرا للفنانين الشباب المقبلين على ولوج الميدان الغنائي بطموح احترافي.

في نفس السياق، ساهم المتبارون بأداء أغاني خارج رعشة ودهشة المسابقة، والمثير في هذا الباب، الأداء الرائع للثلاثي (أمال، سيباستيان، طارق) للأغنية الأمازيغية الشهيرة للفنان الجزائري إدير… ومبعث الإثارة هنا هو اللغة الأمازيغية بالذات، حيث ينتصب السؤال شامخا شموخ الأمازيغية: لِمَ لا يفسح المجال للفنانين الأمازيغيين المغاربة الشباب للمشاركة إلى جانب إخوتهم الآخرين؟ كيف لبرنامج فني ترفيهي تربوي يسع لكل لغات العالم ويضيق صدره من لغة المغاربة الأصلية؟ هل ثمة صعوبة في الفهم والتقويم؟ أم أن هناك صعوبة في التصنيف؟ لا بأس، لِمَ لا التفكير في صياغة برنامج مماثل خاص بالأغنية الأمازيغية بلغاتها الثلاث؟ قد يقول قائل بأن هذا الدور موكول للقناة الأمازيغية الجديدة، نعم هذا صحيح؛ ولكن ذلك لا يلغي التزامات القناة الثانية التي يحددها دفتر التحملات والتي من بينها تخصيص كوطا محددة للأمازيغية، وكذلك الشأن بالنسبة للقناة الأولى…

أعتقد أن الأغنية الأمازيغية في أمس الحاجة، اليوم، إلى مثل هذه البرامج الشبابية التحفيزية التي تصقل المواهب وتهيؤها للاحترافية. لأن الموسيقى والأغنية الأمازيغيتين لا زالتا، في المجمل، حبيستي النزعة الثراتية والنظرة التقليدية، ومن شأن هذه البرامج أن تنتقل بالفنانين الأمازيغيين الشباب من عالم التقليد إلى عوالم التحديث والإبداع والتطور… إسألوا عموري مبارك، وبلعيد العكاف، وآخرين ممن يجدون ويكدون في البحث والتجريب من أجل تجديد وتطوير الأغنية الأمازيغية كلمات وألحانا وأداء.

آنذاك، سيحس القيمون على ستوديو دوزيم أن ثمة تقصيرا ما في حق مغربنا الكبير الذي يسع للتنوع الثقافي الغني الذي يستدعي من قنواتنا الوطنية  تمثله بصدر رحب، إن لم أقل بروح وطنية عالية.

Top