النيابة العامة.. والبيع والشراء

في سنة 1994 فاز فريق أولمبيك مرسيليا بكأس أوروبا للفرق البطلة أي ما يساوي اليوم كاس عصبة الأبطال. وقبل أن يواجه الفريق البطل في نهاية الكأس فرق أس ميلانو كان عليه أن يلاقي في مباراة برسم البطولة الفرنسية فريق فالنسيان. وهي المباراة التي تم التفاوض بشأن نتيجتها لصالح فريق أولمبيك مرسيليا الذي كان يرأسه الرجل القوي والمثير للجدل برنار طابي.

تصريح واحد من لاعب فالنسيان بين شوطي المباراة التي انتهت فعلا لصالح الأولمبيك كان كافيا لكي تتحرك النيابة العامة وتأمر ببحث جدي أفضى إلى اعتقال عدد من اللاعبين المتورطين أبرزهم الأرجنتيني “بوروتشكا” صاحب آخر هدف في مونديال 1986. كما تم إسقاط فريق اولمبيك مرسيليا إلى القسم الثاني بالإضافة إلى قرارات أخرى تم اتخاذها لحماية لعبة كرة القدم من التلاعب. لم تشفع إذن للفريق  لا ريادته الأوربية ولا مسيروه النافذون ولا جمهوره الواسع. ويمكن أن نسرد العديد من الأمثلة التي تدخل فيها القضاء لمعاقبة المتورطين في تلطيخ سمعة كرة القدم سواء بفرنسا، ايطاليا أو انجلترا…

في المغرب ومع اقتراب نهاية الموسم الرياضي، تعودنا سماع تصريحات وشهادات تتحدث عن محاولات شراء ذمم اللاعبين والحكام. أكثر من ذلك بعض رؤساء الفرق أو المدربين شهدوا ببيع نتائج المباريات إلى الفريق الخصم. ومع ذلك لم تتحرك الأطراف والجهات المفروض فيها أن تتحرك.

أولها النيابة العامة التي يسمح لها القانون بالاستماع والبحث في أية نازلة بالاعتماد على شكاية أو شهادة أو وشاية أو حتى شبهة. أما وأن يتقدم أحدهم ويصرح أمام ميكروفون التلفزيون ببيع أو شراء نتيجة مباراة ولا يتحرك القضاء، فإن الأمر يطرح أكثر من تساؤل.

دولة الحق والقانون التي ننشد جميعا تستدعي أن يتحمل القضاء مسؤوليته. فهو الكفيل بحماية البيئة الرياضية من التلوث الذي ينخر جسدها. إذ عليه أن يتحرك بتلقائية للبحث في كل تصريح يتحدث عن البيع والشراء. وهكذا يمكن أن يسد الطريق أمام الاتهامات الباطلة أحيانا  ونشر الإشاعات غير المبنية على أي أساس؛ والتي تصدر عن هذا المسير أو ذلك المدرب بعد كل انهزام. ولن يستطيع حينذاك أي متدخل في اللعبة الحديث عن أي صفقة مشبوهة إلا ويملك الدليل والبرهان على أن هناك تلاعبا في نتيجة مباراة ما.

للأسف الشديد، هناك لاعبون أو حكام انتهت مسيرتهم الكروية قبل الأوان بفعل اتهام باطل ببيع نتيجة مباراة أو حتى بالتلميح بالتراخي في أخرى. فأسهل الطرق لتبرير الهزيمة والفشل في التدبير هي التشكيك في نزاهة الحكم أو ذمة اللاعب. وقد يكون المسير أحيانا هو المستهدف من طرف جهات تكون متربصة بالمكتب المسير للفريق فتطلق الإشاعة بين الجمهور الذي لا يحكمه أي منطق.

الإعلام يقوم بدوره في تناول هذه الظاهرة المرضية التي تساهم في تلطيخ سمعة كرة القدم المغربية بل أصبح تناولها أمرا موسميا يبعث أحيانا على القرف والملل. وإذا كانت الجامعة تعد بتطبيق الاحتراف في غضون السنوات القليلة  المقبلة، فان أهم ورش هو تفعيل الورش القانوني بما يشمله من عقود اللاعب والمدرب والمنخرط، وأيضا إعادة المصداقية للعبة كرة القدم بمحاربة جميع أشكال التشكيك في نزاهة النتائج التي تكون عصارة عرق اللاعبين اجتهاد المدربين ومجهود المسيرين وتشجيع الجماهير، لا أن تكون نتيجة ممارسات مشينة يجب أن تحارب بلا هوادة من طرف الجامعة المعنية وأيضا من طرف النيابة العامة  التي يبقى دورها الأول والأخير الدفاع عن قيم المجتمع ومصالحه.

Top