في أفق انعقاد المؤتمر الوطني الثامن: تدشين لأفق جديد في مسار الحزب

سينعقد المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية آخر أسابيع شهر ماي 2010 ليبصم المؤتمرات والمؤتمرون خلاله على واحدة من أدق وأهم التوجهات التي سوف ترسم مسار الحزب خلال العقد الثاني من الألفية الثالثة.

وبذلك سوف تطوى بالتالي صفحات مجيدة حينا وأليمة أحيانا من عمره الذي ارتبط بكل مراحل بناء المغرب الجديد الحالي، مغرب الحداثة التي انطلقت بوادرها الرئيسية مع بزوغ العقد الثاني من القرن العشرين أي قبل حوالي مئة عام.

إن الوقت قد حان لفتح نقاش شامل وعميق كي يعرف الجميع حجم ونوعية الإسهام الذي قدمه حزب التقدميين المغاربة في بلورة مشروع الحداثةو النهضة المغربي في صيرورته التاريخية وأبعاده المحلية والجهوية والانسانية. والكشف عن المنهجية الفكرية والاختيارات السياسية والفكرية التي التزم حزب التقدم والاشتراكية بها. وعلى ضوئها وهديها شيد صرح مدرسته المتميزة في هذا البلد.

إن فتح نقاش على هذا المستوى تفرضه أساسا معطيات موضوعية أهمها:

إن استراتيجية نضال حزب التقدم والاشتراكية والتي عرفت مع منتصف الستينات من القرن الماضي باستراتيجية “الثورة الوطنية الديمقراطية” وهي الخطة التي اعتمدها بشجاعة المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي المغربي والمنعقد مع بداية شهر يوليوز من سنة 1996 بمدينة الدار البيضاء.

والتي فرضت حتما أن ينبثق عنها حزب التحرر والاشتراكية والذي لم تسمح الظروف السياسية القائمة وقتها سوى بأن يتمتع بتسعة أشهر من المشروعية القانونية.

ليتم حضره مجددا منذ سنة 1969 رغم أن التصريح له بالشرعية القانونية تم في ظل حالة الاستثناء.

المهم هو أن الاصرار على العمل في العلانية ورفض بل ومقاومة المنع كان يشير دائما إلى تعلق الحزب ومناضليه بالأفق الديمقراطي والإيمان الراسخ بحتميته.

وتطلب الأمر انتظار اقتناع النظام بتلك الحتمية وهو الأمر الذي حصل مع مطلع سنة 1974 حيث بدأ الإعداد للإنخراط في النضال من أجل تحقيق مطلب أساسي في استراتيجية الثورة الوطنية. ونعني به الشروع في مطالبة المغرب الرسمي بتحرير الأراضي المحتلة من طرف اسبانيا في الصحراء المغربية.

وكان هذا الانخراط نجاحا تاريخيا لاسترتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التي ظل حزبنا متشبثا بها في ظل عزلة خانقة لامجال الآن لشرح فصولها الأليمة.

إن ارتباط المسلسل الديمقراطي الذي أعلن عن أهم فصوله بمناسبة خطاب عيد الشباب في يوليوز 1974 ارتبط بالإعلان الرسمي عن تشبت المغرب بصحرائه. بل واعتبار أن استمرار الدولة المغربية مرتبط أساسا بعودة الصحراء إلى أرض الوطن.

وارتبطت نضالات حزبنا وحليفيه الاستراتيجيين في الكتلة الحالية بهذه الجدلية وهذه الديناميكية وتأكد من كان واهما أن تحليل حزب التقدم والاشتراكية يقوم على خيار استراتيجية واحد وهو أن التطور الديمقراطي للمغرب أصبح أمرا لارجعة فيه.

وعلى قاعدته ينبني مشروع الحداثة والنماء والاستقرار وأنه سيخلق شروط انجاز الطريق نحو الاشتراكية.

المهم هنا أن حزب التقدم والاشتراكية نجح في أن يؤسس لوضوحه الفكري والسياسي وأن يعلن عن اقتناعه بمسألة جوهرية أساسية تتحدد في أن الدولة المغربية الحالية هي دولة وطنية حققت عبر التاريخ للمغرب عامل الاستقرار والوحدة في إطار التنوع الذي يسم كل مكونات المجتمع المغربي.

وأن العمل على تقوية وصلابة وهيبة الدولة المغربية يعني في العمق عملا أساسيا على تحقيق الاستقلال والاستقرار والتنمية.

وارتبط ذلك طبعا بضرورة التأسيس لحياة ديمقراطية مؤسساتية ودستورية.

وفي نفس الاتجاه تحددت أيضا ومن جديد هوية الحزب كحزب وطني ديمقراطي وإشتراكي مخلص لجدوره التاريخية ومنسجم معها.

إن نجاح هذه الاختيارات التي دأب الحزب على توضيحها وتأكيدها عبر وثائق كل مؤتمراته ونضالاته اليومية حسم فيه أساسا استقرار الأوضاع، الأمر الذي يفرض اليوم طرح سؤال أساسي.

هل نحن فعلا على مشارف مرحلة الانتقال الديمقراطي وبالتالي هل استنفدت مرحلة الثورة الوطنية مخزونها. ذلك إن الحياة الديمقراطية بالمغرب اليوم لاتشوبها سوى بعض المحاولات اليائسة لقوى النكوص والتراجع والتي تمتح أفكارها وزادها في رصيد شبه ميت. وهي أفكار مشبعة بنزعات استبدادية تآمرية يتهددها الجمود والعقم.

كما يشوب حياتنا الديمقراطية اليوم عدم اقتناع الجماهير بأهمية اعتناق القيم الديمقراطية والتحررية هي تواجه وتعاين ما يمارسه أعداء الديمقراطية من فساد وينهبون من خيرات وثروات ولايلقون عقابا ولاحساب.

إن العديد من الناس، اليوم يذهلون وهم يرون بأمهات أعينهم كيف يستولي تجار الانتخابات على ثروات المدن والجهات. وكيف عبثوا بالقيم الديمقراطية وداسوها وكيف يجدون في أجهزة السلطات المحلية من يقف إلى جانبهم ويغطي على ممارساتهم. وكيف يتم بالتالي تشويه تطورنا الديمقراطي. والتلاعب بمصالح البلاد.

هذه في نظري أهم العوائق التي تحول دون اعتبار أننا أنجزنا فعلا كل ما تطلبته الحقبة التاريخية التي ساهم حزبنا في التأسيس لها من موقعه كحزب مناضل وكمثقف جماعي يستمد روحه من عمق الفكر الاشتراكي. ويعمل مستوعبا خصوصيات المغرب الذي لم يقطع نهائيا مع ترسبات الفكر الماضوي التراجعي العائد لعشرات بل ومئات السنين من الركود والتخلف.

إن الحزب اليوم وهو يتهيأ لعقد مؤتمره الثامن سيبلغ بعد سنوات عقده السابع، عمر ساهم خلاله أجيال من المناضلين الأشداء والاشاوس بعصارة أفكارهم العبقرية وقدموا لهذا البلد من امثولات في الصبر والتجلد ومقاومة الاقصاء والتهميش والعزلة وكان ايمانهم واثقا بهذا المغرب الذي يعرف اليوم ديناميكية تنموية مشاركة رغم كل ما يمكن أن يقال عنها، فإنها تبرهن على أن هذا البلد مصمم على المضي نحو أفق أكثر خصوبة وغنى. مما يكشف عن أن قدرات شعبنا وقواه الخلاقة قادرة على تحقيق المعجزات.

إن إيمان حزبنا بهذا المغرب لم يبدأ مع بداية القرن الحالي بل امتد إلى أكثر من خمسين سنة من القرن الذي قبله.

لكن الذي يلزم التدقيق فيه قبل غيره يتحدد في أن الحزب لا يأخذ ولم يأخذ إلى اليوم المكانة التي يستحقها اليوم في الموقع الذي يلائمه.

إن حزبنا مطالب اليوم بأن يتجند مناضلوه على جميع مستويات تراتبيتهم من أجل ولادة حزب جديد أكثر تجدرا وسط الأنسجة والهياكل المجتمعية والفكرية بما يجعله قادرا فعلا على قول كلمته.

ذلك أن المغرب قطع ربما بصفة نهائية مرحلة ما كان يسمى في أدبياتنا استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية. وهو بحاجة إلى قوى سياسية حداثية متحالفة متضامنة لمقاومة اوزار الماضي الرث الذي مايزال يهيمن على أجزاء مفصلية من القوى الاجتماعية بالمغرب.

ولأجل أن يواصل حزب التقدم والاشتراكية صباغة برنامج المرحلة الجديدة هاته فهو بحاجة إلى قوة دفع جماهيرية عميقة الجدور ولن يتأتى له ذلك إلا بتغيير شامل في وضعيته التنظيمية وإعادة تأهيل هذه الوضعية على أسس تعبئة جديدة وشاملة وعسى أن يكون المؤتمر الثامن الذي سينعقد في نهاية ماي من العشرية الأولى من هذا القرن. منجزا لهذه المرحلة الجديدة وفاتحة خير لها.

Top