الـ “سيناريست” Le sénariste

هل كتابة السيناريو من المهن السينمائية المستقلة عن غيرها؟ أم تحتوي بعض المهن السينمائية الأخرى؟
وهل على كاتب السيناريو أن يكون مخرجا ومدير تصوير؟ أم هو مبدع متخصص في كتابة حوار ومسار شخصياته وانتهى الأمر؟ أسئلة جوهرية غالبا ما تفرض نفسها كلما ورد النقاش حول  الـ “سيناريست” وكثيرا ما تنقسم الآراء إلى صنفين، وإن كانت هاته الآراء ليست متضاربة في حقيقة الأمر وإنما تبدو كذلك فقط، كيف ذلك؟
الجواب ببساطة شديدة، الرأي الذي يقول إن السيناريست فيه المخرج ومدير التصوير هو عين الصواب.
في نفس الوقت ليس مخطئا البتة من يرى السيناريست متخصصا في مجاله، احتراما لكل مهنة على حدة، وكذا احتراما لاختصاصات كل من  المخرج، مدير التصوير، والسيناريست نفسه، وعدم تداخلها وإن كان تداخلها وتكاملها الفعلي هو ما يسفر عن  منتوج  بصري يدعى فيلما.
ومؤيدو هذا  الرأي ينطلقون، في الغالب، من منطلق تقني محض، بمعنى أن “السيناريست”، مهنيا وتقنيا، ليس مخرجا ولا مدير تصوير، وليس دارسا ولا ممارسا لمهنة الإخراج ولا التصوير، وليس ملزما بذلك.     
وللتوضيح أكثر، فكتابة السيناريو هي شكل من أشكال الكتابة الإبداعية، والتي تتطلب كغيرها من الأصناف الإبداعية، الموهبة والقدرة على  التخيل أولا وقبل كل شيء، وبمعزل عن أي مهنة. هذا من زاوية.
ومن زاوية أخرى، فمعروف أن كتابة السيناريو تتم أصلا عبر تقنيات خاصة تجعل من السيناريو بالضرورة “كتابة بصرية” تميزه عن غيره من الأصناف الإبداعية الأخرى، وبالتالي فإن أتقن “السيناريست” مهمته ككاتب سيناريو محترف، سيجد نفسه قد وظف تلقائيا أدوات المخرج ومدير التصوير دون تكلف، وهنا سنتفق مع مؤيدي الرأي الأول ممن يرون في الـ “سيناريست” مخرجا ومصورا، أي أن السيناريست يتملك أدوات المخرج والمصور، بل إن توظيف هاته الأدوات هو ما يجعل السيناريوهات تصنف إلى محبوكة وناجحة سينمائيا والعكس صحيح. إنما بالمقابل أيضا، يلزم أن نشير هنا إلى أنه رغم تملك السيناريست لهاته الأدوات، فالأمر لا يتجاوز مجرد استحضار هاته التقنيات والأدوات أثناء الكتابة. ولا يمكنها أن تسعفه في التنفيذ التقني داخل بلاطو التصوير لا على مستوى الإخراج ولا بخصوص التصوير، إلا إذا كان دارسا متمكنا من فني الإخراج أو التصوير أو هما معا.
ونخلص إلى القول إن السيناريست الناجح هو مخرج ومصور غير منفذ، بل على الأكثر من ذلك، إذ يمكن اعتبار أن تقنيات وأدوات المخرج ومدير التصوير هي في الواقع أدواته أيضا وهي بمثابة قواعد أساسية لكتابة السيناريو كتابة بصرية متقنة، وبدونها يولد هذا الأخير ناقصا، ضعيفا ومشوها، قد يشبه أي جنس أدبي آخر غير السيناريو .
وقبل الختم لابد من التأكيد على أن التجارب السينمائية أثبتت أيضا أن المخرج الناجح ليس بالضرورة قادرا على كتابة سيناريو ناجح سينمائيا.
ولمن يبتغي التعرف على السيناريست فهاته مواصفاته :
موهوب مثقف، وعلى خلق،  موسوعي المعرفة، قادر على التحليل والتفصيل، متفاعل مع بيئته ومحيطه العام، مبدع في حكيه وكتابته، قادر على الحكي بالصور بعيدا عن نسخ ولصق صور واقعية أو الوقوع في فخ الكتابة الأدبية، فينبغي أن يكون متمكنا من اللغة السينمائية، وعلى دراية بالمدارس والاتجاهات السينمائية لأنها القواعد والمعايير التي تجعل من السيناريست يتميز عن الحاكي أو الراوي العادي وبدون اهتمامه بالقواعد التقنية والمهنية، سيكون مجرد حاك، وهناك بالفعل من اعتبر أن “كتاب السيناريو هم حفدة الحاكين”، وبحكم أن الحكي مشاع بين الناس كونيا، فالجميع له القدرة على الحكي، وفقط السيناريست من يستطيع الحكي والتعبير عن طريق الصورة. وبقدر ما يصعب تحديد  قاعدة واحدة وموحدة  لكتابة السيناريو، بقدر ما يصعب إعطاء تعريف دقيق للسيناريست أو كاتب السيناريو.

< بقلم: وفاء قشبال

Related posts

Top