جيل جديد من المبدعين -الحلقة 6-

كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.

القاص نبيل موميد: ذائقة نقادنا ما زالت تميل إلى الإنتاج القديم

للقاص نبيل موميد مجموعة قصصية بعنوان “بغل نيتشه” معدة للطبع، ورواية “دواء الموت” ينتظر صدورها عن دار نشر مشرقية، وستصدر له مسرحية مونودرامية بعنوان “مكتبة من هذا الزمان” عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، وكذا كتاب نقدي بعنوان “روح الإبداع”.
يضع حاليا اللمسات الأخيرة على كتاب عبارة عن ترجمة لكلمات وخطب الكاتب الفرنسي “ألبير كامو” منذ حقبة الجزائر إلى ما بعد خطاب نوبل، سيصدر بالسعودية.
واظب منذ سنوات على نشر نصوصه في المجلات والجرائد الورقية والإلكترونية قبل أن يقرر جمعها في كتب.

< كيف انخرطت في مجال الإبداع؟
> ارتبط اهتمامي بالإبداع الأدبي بصفة عامة – ولا يزال – بتأثري بعدد من القامات الإبداعية المغربية التي تشرفت بالتتلمذ على أيديها إبان مرحلة دراستي العليا؛ وذلك من قبيل: الشاعر المبدع أحمد بلبداوي، والشاعر المُجيد محمد بنطلحة، والقاص والناقد المرحوم الدكتور سعيد الفاضلي، والقاص المجدد الأمين الخمليشي، والناقد الفذ بنعيسى بوحمالة… كلهم تركوا بصماتهم في ذاتي؛ سواء على مستوى طرائقهم في التعامل، أو على مستوى تمثلهم للفعل الإبداعي، أو على صعيد منجزهم الإبداعي المتميز. كما لا أنسى الدعم الذي حظيت به من الدكتور حافظ إسماعيلي علوي، الذي لم يبخل عليَّ بالمساعدة، وكان على الدوام يدفعني إلى الكتابة.

< ما هي أهم أعمالك الإبداعية؟
> لا أظن أنني في مرحلة من مسيرتي الإبداعية تتيح لي الحديث عن أعمالي الإبداعية؛ فما زلت أعتبر نفسي في مستهل الطريق. ولكن، على العموم، لدي العديد من الكتابات التي تتوزع بين القصصي والروائي، والشعري والنقدي. أما بالنسبة إلى إنتاجي القصصي فمبثوث بين تضاعيف عدد من الملاحق الثقافية والمجلات المغربية والعربية، وحتى الأوروبية، بعضها حاز على جوائز؛ وأنا حاليا في طور تجميعها في إطار مجموعة قصصية بعنوان “بغل نيتشه”. ونفس الأمر ينسحب على قصائدي الشعرية. كما أنني أنتظر صدور روايتي الأولى “دواء الموت” عن دار نشر مشرقية.

< ما هي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال؟
> لا أحبذ كثيرا ربط الإبداع بالرسالة الأخلاقية (اللهم إلا في ظروف مخصوصة)؛ لذلك أرى أن الأدب تعبير عن حالات نفسية، ووصف لسياقات معيشة، وتقديم تفسيرات شخصية لما يحيط بنا، دون السقوط في فخ تقديم الدروس، أو توجيه المتلقي وجهة معينة… بل إن الْمُعَوَّل عليه هو تقديم تصور ذاتي للواقع والتاريخ، لا يلزم أحدا البتة، ولكنه في ذات الآن يضيف إضافة نوعية قد تلقي الضوء على ما تتم مناقشته.

< ما هي الأعمال الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
> إلى حدود اللحظة، مازلت أعتبر ديوانيْ “سبحانك يا بلدي” لأحمد بلبداوي، و”قليلا أكثر” لمحمد بنطلحة، ومجموعتيْ “أيام مغلقة” لسعيد الفاضلي، و”اشتباكات” للأمين الخمليشي… نماذج تجريبية مُذهلة، إنْ على مستوى اللغة والأسلوب، وإنْ على مستوى المعالجة الأدبية والمنطق الفكري الذي يحكمها. ولا ريب أن عددا ليس بالقليل من الكُتَّاب، العرب والعالميين، ممن أقبلت على قراءة إنتاجاتهم بلهفة وكبير استمتاع، وانبهار لا ينتهي بطرائق تطويعهم لمواد اشتغالهم ووصولهم إلى روح المتلقي مباشرة، تركوا بصماتهم في نفسي. ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر: “جيل الظمأ” لمحمد عزيز الحبابي، و”أوراق” لعبد الله العروي، و”العلامة” لبنسالم حميش، و”الإمام” لكمال الخمليشي، و”النهايات” لعبد الرحمن منيف، و”ثلاثية غرناطة” لرضوى عاشور، وجماع التجارب الشعرية لكل من محمد الخمار الكنوني، وأحمد المجاطي، وأحمد درويش… وغيرهم كثير. كما أن الإبداع الأدبي العالمي كان له تأثير قوي على ذاتي، وعلى ميولي الإبداعية؛ حيث عشت أياما لا تنسى مع دوستويفسكي، وغوغول، وبلزاك، و”موباسان”، وغويتيصولو، وبورخيص… وخاصة مع كاتبي الأثير “ألبير كامو”.

< هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
> بل يمكن الحديث – بالأحرى – عن أنني وضعت لنفسي في كتاباتي الإبداعية الخطة التالية:
في الرواية: أحاول تقديم تفسيرات مبتكرة وشخصية جدا للحظات تاريخية ملتبسة في تاريخنا، وفي نفس الوقت إبرازها من جديد ونفض الغبار عنها؛
في القصة: أروم على الدوام ربط الحبكة بقضية فلسفية، وتحويرها بشكل يخدم الغرض الإبداعي؛
في المسرح: أنكب على استثمار الطاقة الهائلة التي يتيحها المونولوج، من خلال مسرحيات مونودرامية؛
في الشعر: أترك لنفسي الحرية في التعبير بدون رقيب “فرويد”، ولا عُرف أحد…
ومن ثمة، ترتبط كتاباتي الإبداعية بثالوث: التاريخ، والفلسفة، والنفس الإنسانية.

< كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
> أجزم أن علاقتي به علاقة وطيدة، وذلك بالنظر إلى أننا في عصر ثورة رقمية متسارعة، ولا يمكننا أن نتجاهل هذا وإلا لأصبحنا على الهامش. لقد أخذ التواصل الرقمي في زمننا هذا بُعدا جديدا، احتلت فيه مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما الفايسبوك، والتويتر، والأنستغرام مواقع محورية، واعتبرت وسيطا لا محيد عنه بين الناس. بل إن أغلب المبدعين، ودور النشر، ومختلف الجرائد والمجلات تروج لمنتوجها من خلال هذه المواقع؛ باعتبارها سريعة في انتشارها، وقوية في تأثيرها، وسهلة في التعامل معها.
ولاشك أن الجميع ينتظر ما ستسفر عنه الأيام المقبلة في هذا المجال، بعد تصريحات “مارك زوكربرغ” فيما يخص الميتافيرس، و”إيلون ماسك” فيما يتصل بالشريحة التواصلية الجديدة التي ستعوض الهاتف المحمول.
باختصار، لا مندوحة عن توظيف هذا التواصل لخدمة المبدع وإبداعه إن أراد توسيع دائرة انتشاره.

< هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
> عندما ننظر إلى ما تم إبداعه خلال القرن العشرين، في مختلف الأجناس الأدبية، نسجل زخما في الإنتاج واكبته الحركة النقدية؛ الصحفية والأكاديمية على السواء بالتحليل والتفسير والتنظير. فكان لكل هذا الفضل في تطور الإبداع من ناحية، وفي تراكم المعرفة الأدبية وثرائها من ناحية ثانية. فإن انتقلنا إلى القرن الحادي والعشرين الذي بالكاد استهل عقده الثالث، سنجد أن قسما من المبدعين يتخذ مُنجز الكبار نبراسا لا يحيد عنه، وقسما آخر يحاول التجديد، من خلال الانفتاح على آداب أجنبية ومن خلال الحفر عميقا في الذات وفي الواقع، غير أنه يصطدم بآذان صماء من النقد. فحتى إن استهل بعض الشباب منحى تجريبيا في إبداعاتهم، إلا أن النقد لا يواكبها، رغم أن التواصل الرقمي – كما قلنا – يَسَّر الانتشار. ومعنى هذا الكلام أن ذائقة نقادنا مازالت تميل إلى القديم. يُذكرني هذا بـ “رولان بارت” عندما أشار إلى أنه في أعماله النقدية ينكب على تحليل جميع النصوص الإبداعية الحداثية التجريبية، غير أنه عندما يريد أن يستمتع، فلا مناص من قراءة رواية كلاسيكية.

< ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
> أنا حاليا في طور وضع اللمسات الأخيرة على ترجمة كتاب يتضمن جميع كلمات “ألبير كامو” وخطبه منذ حقبة الجزائر إلى ما بعد خطاب نوبل، سيصدر بإذن الله تعالى عن دار الصفحة 7 بالسعودية. بالإضافة إلى أنني أُنهي رواية تتلمَّس بعض خيوط قضية من القضايا التي مرت بدون أن تثير اهتماما يذكر في فترة الأربعينيات في المغرب، عنوانها “الفرنسية”. كما أني أنتظر صدور مسرحيتي المونودرامية “مكتبة من هذا الزمان” عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة، وكذا كتابي النقدي “روح الإبداع”.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top