اعتناق الحكومة مفهوم الدولة الاجتماعية لن يكون مجديا دون تصور استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار البعد الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي

تقاطعت الآراء خلال اللقاء الذي نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال حول موضوع” الدولة الاجتماعية بين الواقع والخطاب، إلى إيجابية اعتناق الحكومة في خطابها الرسمي مفهوم الدولة الاجتماعية، لكن ذلك لن يكون مجديا إذا لم يكن وليد تصور استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار بشكل شمولي البعد الاقتصادي والاجتماعي والديمقراطي.
وانتقل المشاركون في هذا اللقاء الفكري الذي احتضنه مساء يوم الثلاثاء الماضي، المقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، وشارك فيه أعضاء مركز عزيز بلال ونخبة من السياسيين والمهتمين والطلبة، ” بين مقاربة الموضوع من الناحية النظرية بالغوص في مفهوم الدولة الاجتماعية وتاريخ ظهور هذا المفهوم وأسباب نزوله، وصولا إلى حضوره في الوقت الراهن، والذي ارتبط بالمخلفات الثقيلة اجتماعيا التي خلفها تفشي وباء كورونا، حيث ظهر الحجم المتعاظم للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتفشي مظاهر الفقر ومحدودية السياسات العمومية في مواجهة تبعات هذه الإشكاليات العويصة.

عبد الأحد الفاسي الفهري: نحن مع الدولة الاجتماعية لكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار استراتيجية متكاملة
وقال عبد الأحد الفاسي الفهري، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والذي خبر سياسة الدولة من الداخل حينما كان وزيرا على قطاع التعمير، والذي قدم خلاصة للأفكار التي تداولها في هذا اللقاء ” على أنه في إطار المعارضة الإيجابية، نعتبر أن تحقيق دولة اجتماعية ناجعة يتطلب أن نكون دولة تحمل هم تطور البلاد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، مشيرا من هذا المنطلق، “علينا مساءلة السياسة العامة المتبعة إن كانت تسير في اتجاه معالجة المشاكل الاجتماعية أم هي فقط سياسة للتخفيف من بعض تبعات السياسة الليبرالية السائدة”
وأردف عبد الأحد الفاسي الفهري، خلال هذا اللقاء الذي نظم على شكل حلقة نقاشية توزعت على مدخلين طبعها طرح عديد أسئلة من طرف عضو مركز عزيز بلال الأستاذ الجامعي هشام صدوق، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، “على أن استعمال عبارة الدولة الاجتماعية يعد جوابا سياسيا من الحكومة وهو أمر إيجابي لكونه يشكل إعلانا من جانبها على حضور وعي لديها حيال ثقل المسألة الاجتماعية التي فرضت نفسها بقوة بعد فترة تفشي وباء الكوفيد ، حيث برزت مشاكل شائكة في مجال التعليم والصحة الصحة وارتفاع مظاهر الفقر”.
وأكد أنه لتنزيل الدولة الاجتماعية يجب الأخذ بعين الاعتبار ثلاث نقط رئيسية في هذا الصدد، أولها أنه في الدولة الاجتماعية لا يمكن الفصل بين المسألة الاقتصادية والاجتماعية، حيث على الدولة التدخل بشكل شمولي للارتقاء بالإنسان والاستجابة للحاجيات الأساسية ، باعتماد في هذا الإطار استراتيجية تجعل الإنسان في صلب مجمل العملية، وكنقطة ثانية يجب الا يكون هناك أي تناقض بين ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي ، وألا ينظر للنفقات الاجتماعية كتكاليف بل ينبغي اعتبار الاستثمار في الإنسان والمجالات الاجتماعية بكونه يمثل رافعة أساسية للاقتصاد ، وكذا تحقيق طفرة في تطوير السوق الداخلي وتوسيع التغطية الاجتماعية بأنها فرص مهمة لتحقيق التنمية.
فيما بالنسبة للنقطة الثالثة ، فيجب الاعتقاد في كون تطبيق بلادنا لاقتصاد السوق يمكن أن يكون إطارا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن شريطة أن يكون تطبيق اقتصاد السوق باعتماد قواعده الأساسية المتمثلة في المنافسة الحرة والنزيهة بعيدا عن أي احتكار.
وبنفس تفاؤلي، أكد عبد الأحد الفاسي الفهري على التعامل بإيجابية مع طرح التوجه نحو الدولة الاجتماعية، خاصة وأن هناك مكاسب تحققت كقضية الدعم المالي المباشر للمواطنات والمواطنين، حيث يعد من ناحية أهدافه مسألة إيجابية، وذلك لكونه يضمن دخلا يحفظ الكرامة، هذا بالرغم مما يثار بشأنه في الجانب التدبيري وبضرورة الحيلولة دون السقوط في خلق مجتمع اتكالي .
وأردف قائلا” علينا ألا نبالغ في التحذير من وقوع مشاكل جراء هذه التدابير، بل علينا أن نساير بشكل إيجابي وننبه حينما يلزم القيام بذلك ونقترح بشكل بناء العناصر التي يمكن أن تساهم في تجاوز المشاكل”، مضيفا بنبرة تأكيدية” المسألة الأساسية بالنسبة لنا هي أننا مع الدولة الاجتماعية لكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار تصور واضح مبني على استراتيجية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاقتصادي والاجتماعي والتنموي.

محمد الشيكر: الأساسي هو ضمان السلم الاجتماعي أما التمويل فيبقى مسألة ماكرو اقتصادي يمكن معالجتها

ومن جانبه، اعتبر محمد الشيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، أن الدولة الاجتماعية تعني أولا الجانب الاجتماعي ثم العدالة وسمو القانون، وأنه يمكن القول أن المغرب دولة اجتماعية منذ سنوات، حيث إذا أخذنا بعين الاعتبار ميزانيته العامة على مدى سنوات عديدة ماضية دائما خصص نسبة 40 في المائة منها للمجالات الاجتماعية بما فيها التعليم الصحة”.
وتوقع الخبير الاقتصادي، محمد الشيكر أن تخرج الدولة رابحة في هذا الورش الخاص بتعميم التغطية الاجتماعية، فهي وفق قوله، ليس لديها أية إشكاليات على مستوى القدرات والإمكانيات المالية، بل سيكون لها فائض على هذا المستوى، لأنه وفق منطوق القانون الإطار الخاص بالتغطية الصحية، ستعيد النظر في كل ما هو اجتماعي باستثناء الصحة والتعليم، وأن هذه الإصلاحات ستكون واسعة وتشمل كل ما يخص المجالات الاجتماعية.
واقترح في هذا الصدد، وتحقيق هذا المخرج الآمن، العمل على اعتماد المالية الاجتماعية بحيث يتم تخصيص وثيقة لتحديث المالية الاجتماعية ، متوقعا أن يحدث ذلك مفاجأة لكون المالية الاجتماعية لها ثلاث مستويات، حسب التدقيقات التي صاغها الشيكر، وهي المالية الاجتماعية للحكومة ويخص كل ما هو اجتماعي مرصود على مستوى الميزانية العامة، وهناك الميزانية الاجتماعية للدولة التي يدخل ضمنها المؤسسات العمومية وأيضا الجماعات الترابية ثم الميزانية الاجتماعية للخواص التي يرصدها الخواص كالجمعيات والأبناك التي لها مؤسسات خيرية .
وتابع في اقتراحه بإحداث مجلس يحدد الأولويات ويقوم بتوزيع الأموال، وهذا الأمر من شأنه أن نتجاوز بفضله كثيرا إشكالية الإمكانيات والتي يتخوف منها الكثير من السياسيين ويحذرون من حدوثها، وحرص الشيكر على التنبيه على ملاحظة في هذا الصدد مفادها غياب تنسيق المجهودات على المستوى الاجتماعي بين الحكومة والدولة والخواص، قائلا” إن هذا ما يبرر وجود تخوف لدى السياسيين حول التمويل”
وبالنسبة للخبير الاقتصادي الشيكر فإن الأساسي ليس هو التوازنات المالية بقدر ما أن الأساسي بشكل كبير هو ضمان السلم الاجتماعي الذي لايقدر بثمن أما التمويل فيبقى مسألة ماكرو اقتصادي وهو أمر بسيط ويمكن معالجته .
وشهد هذا اللقاء، الذي عرف حضور مولاي اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، وعضو أكاديمية المملكة، وحسن عبيابة وزير الثقافة والشباب والرياضة، الناطق الرسمي باسم الحكومة السابق، تدخلات كل من عبد الرحيم بنصر عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والأستاذين لمريني وموسى أقصبي، وعبد الحفيظ ولعلو عضو مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، والإعلامي حسب لشهب والنقابي محمد الوهاجي، طرح الأستاذ هشام صدوق الذي أدار النقاش، مجموعة من الإشكاليات التي ترتبط بتنزيل وتمويل هذا الورش الكبير، معددا على هذا المستوى التحديات الكبرى التي تحيط به.
وأكد صدوق، في تصريح على هامش هذا اللقاء، “إن الأمر يتعلق بورش ضخم يحيط به مجموعة من التحديات بارتباط بتوفير الميزانية والامكانيات المالية للدولة ، مؤكدا من جانب آخر على الإيجايبات الكبرى التي يمثلها بالنسبة للطبقات الاجتماعية الفقيرة والهشة، بل للدولة باعتباره ورش يرتبط بالأمن الاجتماعي .
هذا وأبرز صدوق، أن الإكراهات التي تحيط بتنزيل هذا الورش تسلزم إقامة نوع من البنية التحتية ، وهي بنية ترتبط بالمفهوم المؤسساتي الديمقراطي، لإن هذه الحقوق الاجتماعية تتطلب الحقوق السياسية ثم الحقوق الاقتصادية لنصل إلى مستوى الجيل الثالث من حقوق الإنسان أو ما يمكن أن نسميه بالعدالة الاجتماعية.
هذا فضلا عن أنه ينبغي الإشارة وفق المتحدث، أن هناك مشكل التراتبية ومشكل تجويد الحقوق، لأن هذه الأخيرة موجودة ولكن ليست بالجودة الكافية، الإشكال الثاني هو تحقيق المساواة بين المجالات والقطاعات والفئات الاجتماعية ، ليبقى الإشكال الصعب متمثلا في مشكل التمويل، وفق تعبير الأستاذ صدوق.

فنن العفاني

Top