مسلسل «مبارك وميدان التحرير»

المتابع هذه الأيام للكم الهائل من الأخبار والتغطيات، عبر الفضائيات العربية والأجنبية وفي الصحف وعلى مواقع الأنترنيت، حول انتفاضة الشعب المصري، بقدر ما يستغرب لعدد من «المحللين» و»المتخصصين» وجهابذة إسقاط الوقائع والأحداث عسفا ومن دون أي منطق تحليلي أو تاريخي، فإنه أيضا يلتقط بعض الدروس مما يجري في قاهرة المعز.
المتظاهرون في ميدان التحرير يواصلون الاحتجاج والغضب، والإصرار على إسقاط الرئيس، ورغم توالي الأيام بقي الشعار وحيدا…»الشعب يريد إسقاط النظام».
تحرك الشباب في الميدان، وعلى كل الواجهات، وأقاموا الحواجز البشرية، وواجهوا الجمال والبغال والمدي والهراوات ومحاولات الاختراق، وحولهم كان يتحرك عشرات الآلاف من الناس، ثم برز سؤال التمثيلية وسؤال القيادة، لكن الشباب استطاعوا الآن اختيار عشرة للحديث باسمهم، وبقي الآخرون، وبدأ الحديث عن «جبهة إنقاذ وطني» بمساهمة أحزاب وحركات المعارضة، وفي حلقات  المسلسل كان واضحا غياب «قيادة»، وداخل هذا الغياب وقف شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» مجردا من منظومته البرنامجية، ومن هدفية واضحة وآلية مدققة للتفاوض ولإحقاق المطالب، فهل بإمكان هذا المأزق أن يخنق الاندفاع الثوري؟
من جهة ثانية، النظام بدوره واصل حلقات مسلسله الخاص، حيث بدأ بتعيين نائب للرئيس، ثم بتغيير الحكومة ورئيسها، وواصل بإعلان عدم ترشح مبارك ونجله، ثم برفع قانون الطوارئ، والاستعداد للحوار مع قوى المعارضة حول تعديل الدستور والانخراط في مرحلة انتقالية، وهاهو اليوم يستمر من خلال رمي أركان النظام والحزب الحاكم بعيدا عنه، إما بمنعهم من السفر وتجميد حساباتهم المصرفية، أو بإقالتهم من مناصبهم، أو بالشروع في مسطرة مقاضاة بعضهم…، والدرس هنا أن النظام المستبد والفاسد عندما تشتد حوله الأزمات ويقترب منه الموت، يرمي بأبنائه وخدامه إلى الحرائق، كما أن السؤال الذي يقفز إلى البال هنا، هو ما إذا كان نظام مبارك بصدد حرق ما تبقى لديه من أوراق، وأن السقوط آت لا ريب فيه، أم أنه بصدد تجديد ذاته، والسعي إلى إنهاك الحراك الشعبي، خصوصا في غياب قيادة موحدة وذات رؤية وكاريزما تتحكم في الشارع، وتصنع المفاوضات والمطالب وتطور الأساليب والخطاب.
وبالرغم مما سبق، فإن الجلي في عمق الحكاية كلها، أن النظام بات بلا شرعية على الأرض، ولم يعد يجمع كل الفرقاء سوى على مؤسسة الجيش التي يترقب المتابعون موقفها في نهاية النزال…
وعلى هامش المسلسل، تغلي الكواليس في عواصم دولية عديدة بحثا عن سيناريو المستقبل لمبارك، فقط كي يتفادى الخروج هاربا…
لنتابع إذن بقية حلقات المسلسل، ولنتأمل في الدروس المطلة علينا من خلف ضجيج القنوات.
[email protected]

Top