أثار إعلان البرلمان التونسي تلقيه مشروع قانون أساسي يقترح سحب سلطة المحكمة الإدارية على الانتخابات لصالح محكمة الاستئناف، قبل أسابيع قليلة من السباق الرئاسي المزمع إجراؤه في 6 أكتوبر المقبل، جدلا سياسيا وقانونيا واسعا في البلاد.
وفي الوقت الذي تقول فيه أطراف سياسية إن المحكمة الإدارية باتت تلعب دورا سياسيا معارضا لمسار 25 يوليو، فإنه يمكن استبدال القضاء الإداري بالقضاء العدلي في مثل هذه النزاعات القانونية، استنكرت شخصيات سياسية هذه الخطوة محذّرة من مغبّة تداعياتها على الاستحقاق الانتخابي والمشهد السياسي برمّته.
ويرى المساندون لمبادرة النواب، أن المحكمة الإدارية انقلبت إلى طرف سياسي ضدّ المسار الانتخابي، ومن غير المستبعد أن تطعن في نتائج الانتخابات والمسار.
في المقابل، ترى أوساط سياسية أن الخطوة البرلمانية يمكن أن “تؤجّج” الصراع بين السلطة والمعارضة، كما أنها ستذهب بتلك الخلافات نحو المزيد من التعقيد والغموض، فضلا عن كونها تعدّ اعتداء على استقلالية القضاء في البلاد.
وقال البرلمان في بيان إن “رئيس مجلس نواب الشعب (إبراهيم بودربالة) أشرف على اجتماع مكتب مجلس النواب الذي نظر في مقترح قانون أساسي يتعلق بتنقيح (تعديل) بعض أحكام القانون الأساسي رقم 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 مايو 2014، المتعلق بالانتخابات والاستفتاء، والمقدم من قبل مجموعة من النواب”.
ويشمل مقترح القانون أن تتولى محكمة الاستئناف بدل المحكمة الإدارية النظر في النزاعات الانتخابية عند الطعن في قرارات الهيئة المستقلة للانتخابات.
وأوضح بيان البرلمان الجمعة أن “مكتب المجلس قرر إحالة المقترح إلى لجنة التشريع العام، مع طلب استعجال النظر فيه”.
وذكر مشروع القانون الذي وقعه 34 نائبا من أصل 217، أن “من بين أسباب اقتراح مشروع القانون هو الخلاف بين المحكمة الإدارية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد رفض هذه الأخيرة حكما للمحكمة الإدارية يقضي بإعادة 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية”.
وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي “مع الأسف، القضاء الإداري (المحكمة الإدارية) انقلب إلى طرف سياسي معارض للمسار الانتخابي، وهناك سيناريوات مخيفة أبرزها إمكانية الطعن في نتائج الاستحقاق”.
وقال في تصريح إن “القضاء العدلي أكثر استقلالية من القضاء الإداري، وبالتالي يمكن الاستناد إلى القضاء الإداري بدل القضاء العدلي”.
وعبّر عدد من الأحزاب والمنظمات عن رفضهم لمشروع تنقيح القانون الانتخابي مع طلب استعجال النظر فيه وتضمن سحب الفصل في مادة النزاع الانتخابي من القضاء الإداري وعرضها بدلاً منه على القضاء العدلي.
واعتبرت تلك التشكيلات السياسية والحقوقية أن هذه الخطوة “تكتسي خطورة كبيرة” وهي بمثابة “اعتداء سافر على استقلالية السلطة القضائية”، كما أنها تمثّل “محاولة لترذيل عمل المحكمة الإدارية عبر محاولة إقصائها”.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أنه “من الواضح أن المسار يتجه نحو المزيد من التعقيد والفجوة السياسية بين السلطة والمعارضة، وموعد 6 أكتوبر لن يكون إعلانا لنهاية الانسداد السياسي، وهذه المبادرة هي عملية وفق النموذج الدولي للانتخابات أمر مستهجن”.
وأضاف أنه “من الناحية المؤسساتية هناك فراغ، وأعتقد أن المسار يتجه نحو الإبقاء على الوضع السياسي كما هو، وجزء من البرلمان ارتأى أنه من الضروري أن تسحب التزامات الأغلبية من المحكمة الإدارية”.
وتابع ثابت “السلطة الآن أمام رهان نسبة الإقبال ويفترض أن تتجاوز تلك النسبة نصف الجسد الانتخابي، وهي وضعت نفسها أمام وضع دقيق”.
واعتبر حزب حركة النهضة أن “السلطة تواصل الهروب إلى الأمام والضرب بالقانون عرض الحائط في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في 6 أكتوبر 2024”.
وطالبت الحركة في بيان أصدرته السبت بـ”سحب المبادرة التشريعية المتعلقة بتعديل القانون الانتخابي وعدم الانخراط في فضيحة سياسية لا تُمحى من سجلّ كل من يشارك فيها”.
كما دعت النهضة “كل القوى الديمقراطية السياسية والمدنية إلى توحيد الصف والجهد من أجل التصدي لهذه الإجراءات بكل أشكال النضال السلمي والديمقراطي المتاح”.
من جانبها، اعتبرت جبهة الخلاص الوطني (معارضة) أن السلطة لجأت “في ردة فعل غير محسوبة ولمواجهة الضغوط المسلطة عليها، عبر عدد من النواب بالمجلس التشريعي إلى اقتراح تعديل للقانون الانتخابي يجرد المحكمة الإدارية من صلاحياتها في المادة الانتخابية”.
واعتبرت في بيان لها أن “هذه الخطوة جاءت بعد أن ألغت المحكمة الإدارية، من خلال جلستها العامة، قرارات هيئة الانتخابات التي حرمت عددًا من المواطنين من حقهم في الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، كما جاء هذا التعديل كخطوة استباقية لدرء خطر إلغاء هذه الانتخابات من قبل المحكمة الإدارية بعد أن تجاهلت هيئة الانتخابات قراراتها وأقصت المعنيين من حق الترشح ما يعرّض الانتخابات برمّتها إلى الطعن في صحتها”.
بدورها، أكدت منظمة “أنا يقظ” (منظمة غير حكومية)، أنها تتابع بانشغال “محاولة تنقيح القانون الانتخابي أسبوعين فقط قبل إجراء الانتخابات الرئاسية لسنة 2024 عبر مبادرة تشريعية مفاجأة تمّ اقتراحها من قبل بعض النوّاب خلال العطلة البرلمانية”.
واعتبرت أن “محاولة ترذيل عمل المحكمة الإدارية عبر محاولة إقصائها من رقابة المسار الانتخابي لعدم انصياعها لأهواء رئيس الجمهورية وإرجاعها لثلاثة مترشحين للانتخابات الرئاسية وخوفًا من إمكانية إلغائها للنتائج مستقبلاً، ليس إلاّ دليلاً واضحًا لمضيّ السلطة قدمًا في مسارها الأحادي والدكتاتوري”.
وفي 2 شتنبر الجاري، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن القائمة النهائية للمترشحين إلى السباق الرئاسي تقتصر على 3 فقط، من بين 17 ملف ترشح، مستبعدة 3 مرشحين آخرين رغم قبول المحكمة الإدارية طعونهم.
وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر، في مؤتمر صحفي، إن الرئيس قيس سعيد، والعياشي زمال (حركة عازمون ـ معارض)، وزهير المغزاوي (حركة الشعب ـ مؤيدة لسعيد)، الذين اعتُمدت ترشحاتهم في 10 أغسطس الماضي “هم فقط المعتمدون نهائيا للانتخابات الرئاسية”.
كما رفضت الهيئة قبول 3 مرشحين بدعوى “عدم استكمال ملفاتهم”، وهم عبداللطيف المكي الأمين العام لحزب العمل والإنجاز (معارض)، والمنذر الزنايدي (معارض) وزير سابق في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي (معارض) مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
وأثار قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ردود فعل غاضبة لدى عدة أحزب ومنظمات مجتمع مدني في تونس.
وانطلقت الحملة الانتخابية للمرشحين في 14 شتنبر الجاري، ومن المقرر أن تستمر حتى 4 أكتوبر المقبل، على أن تُجرى الانتخابات بعدها بيومين.