مبارك يتأرجح

عكس الخطاب الأخير للرئيس المصري حسني مبارك، بجلاء تأرجح النظام، واضطراره للإلقاء بآخر ما تبقى لديه من أوراق، علها تنفعه ولو لالتقاط الأنفاس أمام استمرار ثورة الشعب، وانتشارها في مختلف المدن، وتوسعها في القاهرة لخارج ميدان التحرير، حيث وصلت لمبنى الإذاعة والتلفزيون، وللقصر الجمهوري، ولمقر الحكومة…
حاول الرئيس اللعب على ورقة رفض التدخلات الأجنبية، وكرر استجداء الشعور الوطني، وترحم على شهداء الثورة، وووو….، لكن رد الناس كان سريعا، حيث صرخ الميدان كله برفض الخطاب، وطالب النظام بالرحيل، وهدد بالوصول إلى القصر الجمهوري ثم فعل.
لقد فوض مبارك صلاحياته لعمر سليمان، وأعلن تعديلات دستورية، ثم جاء سليمان نفسه ليطلب من المتظاهرين العودة إلى الديار، لكن الرجلين معا لم ينتبها إلى أن السقوف صارت عالية جدا، وما عاد تعديل الدستور أو تغييره يهم أحدا، وأن النظام والمتظاهرين باتا يتكلمان بمنطقين مختلفين تماما، وأن المطلب على الأرض صار مجسدا في كون «الثورة الشعبية أسقطت الدستور» برمته، وهي تنادي اليوم بإعمال شرعيتها الخاصة.
مصر دخلت إذن بخطاب مبارك الأخير «ساعة فاصلة في تاريخ الوطن»، كما قال سليمان نفسه، لكن بمقصدية مغايرة، وعندما يعلن الرئيس أنه فوض صلاحياته لنائبه، وعندما يغيب لأول مرة، كقائد أعلى للقوات المسلحة، عن اجتماع مجلسها الأعلى الذي ترأسه القائد العام وزير الدفاع طنطاوي، وعندما يصدر المجلس (البيان رقم 1) ويبثه عبر التلفزيون، ثم (البيان رقم 2)، فمعنى كل هذا أن النظام انتهى، وأن الجيش هو قائد المرحلة اليوم في مصر، خصوصا عندما صار سليمان (ورقة محروقة) وانسحبت كل الأحزاب من الحوار معه…
الأنظار اليوم تتوجه إلى الجيش، وتترقب خطواته المقبلة، والمصير الذي سيقود إليه البلد، أم أن جمعة الزحف والتحدي ستسرع الخطوات، وتفرض واقعا آخر على الأرض.
الرئيس مبارك أثبت عنادا كبيرا توقعه الكثيرون، وحتى وهو بلا أوراق ضغط فهو يصر على «المحيا والممات» في مصر، ولا يتردد في ممارسة استجداء للمعتصمين، وعندما ينفض من حوله كل الأصدقاء والحلفاء، فإنه يستدعي وطنية المصريين ومشاركته في حرب أكتوبر ورفض الإملاءات الأجنبية، لكن في عمق المشهد يبدو الرجل يائسا ويعيش النفس الأخير لنظامه.
في الميدان، الكثير من الأصوات والتيارات والوجوه، يوحدهم الغضب ومطالبة مبارك بالتنحي، لكن لا يلتقون على مصر القادمة، هنا الخوف، وهنا المجهول، وهنا المأزق، ومن هنا كذلك تصل الانقلابات وخوذات العسكر، لتضع نقطة الأشياء.
مبارك أدخل مصر في مرحلة جديدة محفوفة بكل المخاطر والفخاخ.
لنتابع التطورات..

[email protected]

Top